اخبار عاجلة
الرئيسية / أبحاث / أبحاث تاريخية / لو عاد لوثر اليوم! 5 قرون من الإصلاح الإنجيليّ، ما له وما عليه

لو عاد لوثر اليوم! 5 قرون من الإصلاح الإنجيليّ، ما له وما عليه

 

هالة حمصي
النهار
25102017

مصارحة انجيلية بعد 5 قرون. لو عاد اليوم #مارتن_لوثر، وعاين ما حققه #الاصلاح_الانجيلي الذي اطلقه قبل 500 عام، “لكان ابدى موافقته، وفي الوقت نفسه خيبته”، يقول رئيس كلية اللاهوت للشرق الادنى الدكتور #جورج_صبرا لـ”النهار”. لو عاد لوثر، هذا الثوري، لوجد بالطبع ان “الكثير من مبادىء الاصلاح التي نادى بها تجسدت. غير ان
هدفه لم يكن هذه الشرذمة والتقسيم في الكنائس الانجيلية. كذلك، لم يكن يريد الانقسام في الكنيسة الكاثوليكية، او ان ينشىء كنيسة أخرى جديدة. كان يريد اصلاحها”.

الموضوع “كبير جدا”، بحجم 500 سنة. الاصلاح الانجيلي ما له وما عليه بايجاز، قبل ايام قليلة من احتفال الانجيليين في ارجاء العالم باليوبيل الـ500 للاصلاح في 31 ت1 2017. في لبنان، دعا المجمع الاعلى للطائفة الانجيلية في سوريا ولبنان الى احتفال مركزي بعنوان: “معا نحو الافضل” الساعة 5,00 ب ظ الاحد 29 ت1 في الكنيسة الوطنية الانجيلية-زقاق البلاط، يتضمن خدمة صلاة مشتركة تجمع كل الكنائس الانجيلية.

في التسمية، انه “أحد الاصلاح”. والمسار ديني، تاريخي بامتياز. في الكلام الانجيلي، “4 مبادىء اساسية” تختصر، في رأي صبرا، الاصلاح على الصعيد الروحي والكنسي واللاهوتي. “اعادة الكتاب المقدس الى وسط الحياة المسيحية. اعادة مركزية المسيح الى وسط الايمان. اعادة احياء مفهوم الايمان كثقة وعلاقة بين المؤمن والله، وليس كموافقة عقلية على حقائق ومعطيات، اي الاطاحة بفكرة الدين المسيحي كشريعة. والمساواة الروحية التامة بين المؤمنين ونسف الهرمية الروحية: كهنوت كل المؤمنين”.

(الدكتور جورج صبرا خلال حديثه الى “النهار”) 

آثار ونتائج “ثوروية”

الاثر “روحي ايماني وكنسي” للاصلاح. ما يراه صبرا هو “تجديد روحي وايماني حصل في اوروبا في القرن السادس عشر، وامتد الى انحاء واسعة في العالم، عبر الهجرة الى اميركا الشمالية، وحركة الارساليات التي نشرت رسالة الاصلاح في كل العالم”. كذلك، كانت للاصلاح 7 آثار على الصعيد “الاجتماعي والسياسي والثقافي”. “تقسيم العالم المسيحي الغربي كنائس متعددة انتهت معه المركزية المطلقة للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وبدأت تنشأ الكنائس الوطنية والمحلية في مختلف بلدان اوروبا”.

اثر ثانٍ يتمثل في “تسديد لوثر ضربة قاسية الى تركيبة الكنيسة الرومانية وسلطتها الهرمية وقانونها الكنسي. وكانت لذلك نتائج تحريرية على قوى واتجاهات في المجتمع، فظهرت حركات حماسية “ثوروية” ادت الى انتفاضات شعبية”. بتعبير صبرا ايضا، كان للاصلاح “اثر مهم في انعاش الحس القومي لدى الشعوب التي اعتنقته”.

كذلك، ادخل “نظرة جديدة الى مفهوم العمل والمهنة. وكان لرفضه انماط الحكم والسلطة الهرمية والمطلقة في الكنيسة وتنظيمه الكنائس على اساس ديموقراطي، اثر في ادخال الانماط الديموقراطية في الانظمة السياسية، وزرع بذور المساواة وقيام الانظمة التمثيلية في الدول…”.

(مارتن لوثر)

خيانة

ايجابيات الاصلاح. وأحد موجباته “استمرار الانجيليين المُصلَحين في تطبيق مبادئه الـ4 الاساسية على انفسهم”، على قول صبرا. في اقرار صريح، “ثمة انجيليون خانوا هذه المبادىء، ويحتاجون الى اصلاح”. ويتدارك: “شعار الكنائس الانجيلية: الكنيسة مُصلَحة، وتحتاج دائما الى الاصلاح”.

هذه “الخيانة” تندرج ضمن الجوانب “السلبية” للاصلاح. “خانوا، لانهم بشر”، على قول صبرا. على سبيل المثال، اعادة الكتاب المقدس الى وسط الحياة المسيحية “عنت لبعضهم، وليس للجميع، تعظيم الكتاب المقدس الى درجة انه اصبح هو المنزل، المعصوم، كأنه المسيح. وهذا نوع من التطرف”.

(باب كنيسة جميع القديسين في فيتنبرغ-المانيا، والذي علّق عليه لوثر قضاياه الـ95 الاصلاحية في 31 ت1 1517)

في اعادة مركزية المسيح الى وسط الايمان، بلغ “التطرف درجة اقصاء العذراء مريم وكل القديسين…”، على ما يلاحظ. “الكنيسة الانجيلية تصلح نفسها، وتقول ان لهم مكانة، وهم امثلة يُقتدى بها. لا نصلي اليهم، لكن هذا لا يعني ان لا دور او اهمية لهم”.

“تطرف” ايضا في اعادة احياء مفهوم الايمان “كثقة وعلاقة بين المؤمن والله”. يشرح صبرا ان ما يعتقده “متطرفون” هو انه “ليس من الضروري اطلاقا القيام باي أعمال. يكفي الايمان”. ويتدارك: “هؤلاء فصلوا الاعمال. نحن لا نُبرَّر بها. والله لا يُبرطَل، حتى بالاعمال الجيدة. لكن هذا لا يعني ان لا اهمية لها. يمكن ان يكون حصل نوع من ازدراء او احتقار للاعمال الصالحة. وهذا تطرف وشيء خطير. الانجيليون المُصلَحون الكبار يقولون بان الاعمال ليست شرطا للخلاص، لكنها ثمر الايمان”.

كذلك، ظهرت “فردانية” في كهنوت كل المؤمنين، كنتيجة “للتطرف او سوء فهم الامر”. في هذه الحالة، “يعتبر المرء انه لا يحتاج الى الجماعة، وانه كاهن لنفسه، بينما المقصود ان يكون كاهنا لأخيه، اي ان يوصل اليه البشارة، ويستمع اليه، ويصلي من اجله ويصلي الآخر من اجله، ويتبادلان المشورة”.

ثمن دفعه الانجيليون

*كيف يمكن تحقيق هذا الاصلاح المتواصل، في وقت تتعدد الكنائس الانجيلية، ويمكن ان يكون لكل منها لاهوت خاص؟

-بما ان هناك لامركزية لدى الانجيليين، يُترَك للكنائس المتعددة ان تحقق هذا الاصلاح. ولهذا الامر نواح ايجابية وسلبية في آن معا، علما ان للكنيسة المركزية ايضا ايجابياتها وسلبياتها. لمبادئ الاصلاح الـ4 الجيدة ثمن دفعه الانجيليون- الى جانب ثمن سوء استعمال هذه المبادىء- ويتمثل في التقسيم والشرذمة والفردانية. وهذا خطر مستمر. صحيح ان هناك وحدة وكلمة واحدة في الكنيسة المركزية، الا ان الخطر يكمن في الديكتاتورية فيها. لديها امن ونظام، لكن لا حرية.

ايا يكن، يجد صبرا ان هذه المبادىء الاصلاحية الـ4 “اثّرت على سائر المسيحيين”، الكاثوليك والارثوذكس، و”حصل تفاعل وتلاقح”. 500 سنة من الاصلاح برهنت، في رأيه، انه “ليس من السهل ازالة ما نتج من هذا الاصلاح او وضعه جانبا. لقد كان له اثر على المسيحيين عموما. وبالتالي فان ما تضمنه مسيحي جوهري”.

(البابا فرنسيس محتفلا مع اللوثريين في اسوج في احتفالات اليوبيل الـ500 للاصلاح الانجيلي، في سابقة تاريخية) 

في السياق المسكوني 

عودة الى لوثر (1483-1546) بعد 5 قرون، والى ما كان يسعى الى تحقيقه في ذلك الزمن. “كان يريد اصلاح الكنيسة. لم يكن هدفه هذه الشرذمة والتقسيم، ولم يكن يريد ان تنقسم الكنيسة، او ان ينشىء اخرى جديدة”، يؤكد صبرا. بهذا المعنى تحديدا، يمكن القول ان “الاصلاح ربما فشل، لان لوثر لم يستطع ان يصلح الكنيسة وتبقى واحدة”، مع وجوب التذكير بانه “لم يُعطَ الخيار كي يبقى داخل الكنيسة ويصلحها. لقد طُرِد منها وحُرم. وقد اوجب الامر ان يكون هناك كيان آخر يصلي ويصلح”.

نقطة اخرى. قد يكون الانجيليون المُصلَحون اثّروا على سائر المسيحيين وغيرهم، الا انهم “تعلّموا ايضا من الآخرين”، وفقا لصبرا. “تعلموا الا يتطرفوا في المبادىء الـ4”. في ضوء دروس الـ500 عام الماضية من الاصلاح، مطلوب في السنوات المقبلة ان “يبقى الانجيليون امناء لمبادئهم الاصلاحية، وان تُفهَم ليس في الجو الخلافي الجدلي الذي ساد في القرن السادس عشر، بل تُفهَم وتُمارَس وتُناقَش وتَطبَّق في الجو المسكوني المسيحي الذي نحن فيه حاليا. ومن شأن ذلك ان يعطي ضوءا مختلفا عن قرون الجدال السابقة”. هذا الفهم في السياق المسكوني واعد. “اذا اشتغلنا عليه، فمن شأنه ان يقرّب بين الجميع”.

hala.homsi@annahar.com.lb

لقراءة المزيد على موقع النهار

اضف رد