الرئيسية / مقالات / لنتذكر أصل مشكلة الجرود بين “النظام” و”داعش”… هل يخرج “حزب الله” من الميدان السوري؟

لنتذكر أصل مشكلة الجرود بين “النظام” و”داعش”… هل يخرج “حزب الله” من الميدان السوري؟


إبراهيم حيدر
30082017
النهار

ليست الدولة اليوم هي التي ترفع شارة النصر. فعلى ابواب الجرود الشرقية هزم الإرهاب لكن الدولة لا تستطيع استثمار هذا الانجاز، كي لا نقول أنها اليوم، على رغم التضحيات التي قدمها الجيش اللبناني وخوضه معركة مشرفة، ليست حاضنة وطنية، وهو ما ينبغي إعلان الدفاع عنها وجيشها، كمهمة وطنية أولى في مواجهة الممارسة الفئوية التي تنسب النصر والانجاز لطرف أهلي هو جزء من الصراع في #سوريا.

ليس اعلان التحرير الثاني في 28 آب سوى هروب من أصل المشكلة. ونعني بها مشكلة الجرود الشرقية التي احتلتها “النصرة” و”داعش” لأعوام مع أطراف أخرى من المعارضة السورية المسلحة، فكانت محطة آب 2014 الأكثر دموية ضد الجيش اللبناني وسط انقسام لبناني سياسي وطائفي لم يترك أي وظيفة للدولة لتؤدي مهماتها. وبينما يستعيد المشهد اللبناني بجدل حاد تلك الذكرى الحزينة باستشهاد عدد من العسكريين وخطف آخرين على أيدي التنظيمين الإرهابيين، تخون البعض الذاكرة أو يحاول التضليل على واقع البلد في تلك المرحلة من تاريخنا. فالتورط اللبناني في الحرب السورية كان يلف الأطراف الأهلية في لبنان، خصوصاً #حزب_الله الذي اندفع بعيداً في التورط فيها والانخراط في معاركها بقرار إيراني. ولعل هذا الانخراط اللبناني في هذه الحرب، والنظام الذي أحل الكارثة بسوريا أورثنا معضلة الجرود قبل أن تصبح عبئاً كبيراً ويجري العمل على إنهائها ويعلن الحزب التحرير الثاني.

لا أحد كان يريد معركة الحسم في 2014. كان الإنقسام المذهبي السني الشيعي في أوجه. أحد اسبابه الأزمة السورية، وانفلات الوضع الى المنطقة كلها. وبخلاف ما كان وضع الجيش عليه في معركة عبرا ضد جماعة أحمد الأسير، إذ كانت موضعية وفي منطقة ضيقة. وعلى رغم ذلك قدم الجيش 22 شهيداً. وفي مختلف المحطات كان الجيش اللبناني يدفع الثمن، حتى في معركة جرود راس بعلبك والقاع لم يكتب له انجاز الحلقة الأخيرة من معركته مع “داعش” الإرهابي، بعد الصفقة التي تمت بين “حزب الله” والجيش السوري من جهة وبين تنظيم الدولة الاسلامية من جهة ثانية. حتى أن معرفة مصير الجنود المختطفين كانت ضمن الصفقة. لذا لا معنى للحديث اليوم عن فتح ملفات واطلاق الاتهامات التي لا تقدم ولا تؤخر طالما أن أصل المشكلة قائم، ولا ضرورة للاستمرار في الانسياق في التضليل على المقلبين، وهوالذي يعتمده المتدخلون في المعركة السورية، والغارقون منهم حتى الذوبان فيها دفاعاً عن النظام السوري وفي مواجهة التكفيريين، علماً أن أصل المشكلة يبقى هذا النظام الذي دفع كيانه الى طاولة التلاعب والمحاصصة الدولية، حيث نشهد انخراطاً من كل الدول في الصراع لتقرير مصير سوريا.

منذ عام 2012، أدّى دعم فئات لبنانية للنظام السوري إلى تداعيات وظواهر خطيرة منها “داعش والنصرة”، ولذا، فإن المعركة ضد التنظيمات الإرهابية كظواهر دخيلة ليست لبنانية حصراً، بل هي شأن من كان سبباً لها. فكان يمكن عدم تعريض الجيش لخسائر، وإبقاء مهمته دفاعية ووقائية، من خلال إقفال الحدود مع سوريا من الجهتين، وفي وجه كل المتدخلين على المقلبين اللبناني والسوري. ويتحدث السياسي اللبناني في هذا الصدد عن معركة عرسال 2014، فيقول أن الأمور ذهبت في ذلك الوقت الى ذروة الإنقسام، بحيث كان التدخل اللبناني في المعركة السورية على اشده، ولا صحة للحديث الذي يشير الى أن الجيش كان قادراً على التقدم وخوض المعركة في ظل الانقسام، علماً أن “حزب الله” والجيش السوري كانا يخوضان معركة من الجهة السورية ودفعا بمسلحي “داعش” و”النصرة” الى التجمع على الحدود الشرقية. وشهدنا على تداعيات تلك المعركة وامتداداتها السورية، بحيث صارت المذهبية السنية والأخرى الشيعية تستنفران عصبيتهما للدفاع عن امتيازاتهما، وان كانت الحرب استهدفت الجيش الذي يمثل الدولة اللبنانية. وانطلاقاً من ذلك لم يكن الخطاب المتقابل بين الأطراف لبنانياً، فكان قليل الجهر بلبنانيته لما أصابه من أعطاب بنيوية. فصار السجال حول عرسال مادة نزاع مفتوح على الصراع فيه، فأقحم الجيش فيه ولم يستطع الانفراد في القرار بسبب الانقسام وغياب التماسك الوطني اللبناني.

ليس ما نشهده اليوم بإعلان التحرير الثاني سوى محاولة للاستمرار بشد العصب المذهبي، والمزيد من الغرق في الحرب السورية والاقليمية. ويعرف “حزب الله” أن لا تحرير يعلو على انجاز التحرير من الاحتلال الاسرائيلي في عام 2000. أما الانتصار على الارهاب وتحرير الجرود اللبنانية من “داعش” و”النصرة” فلا يكتمل الا حين نعيد الاعتبار للجيش اللبناني كضامن للأمن الوطني، وكجهة وحيدة مخوَّلة امتلاك السلاح باسم الوطن، وعدم قطف ثمار أي جهد يبذله الجيش من أي فئة أهلية داخلية، والأهم عدم توظيف تضحيات الجيش في أي ميدان آخر. ولمناسبة اعلان التحرير الثاني، فإنه أيضاً لا يكتمل ما لم يعمل على توظيفه في اعادة بناء الدولة، وطريق ذلك، القطع مع أصل مشكلة الجرود. ولذا “حزب الله مطالب بإغلاق الملف السوري والخروج من تورطه اذا كان يريد فعلاً للتحرير أن يكون طريقاً لبناء الدولة التي تنظم الاختلاف على قاعدة الوفاق، وهذا ينطبق على أطراف أخرى، وكل المتدخلين في الأزمة السورية. الخروج من الميداني السوري يغلق أصل المشكلة، ويعيد الاعتبار الى معنى التحرير الأول من الاحتلال الاسرائيلي.

اضف رد