مجد بو مجاهد
المصدر: “النهار” 11 تموز 2017
إذا كان إطلاق الرصاص العشوائي في الهواء الطلق عادة لبنانية بدأت بالانحسار بعد المساعي المشهودة للقوى الأمنية، فإن ظاهرة مشابهة تهدد بفناء الشجر ان لم تؤد الى ازهاق ارواح البشر. احتفالية توجتها مفرقعاتٌ نارية في أحد المنتجعات السياحية الواقعة بين سوق الغرب وعاليه، كانت كفيلة بالقضاء على حرجٍ كامل من آلاف أشجار السنديان والصنوبر التي نمت من تلقائها بعد انقضاء الحرب الأهلية.
عوامل عديدة حالت دون إتمام الدفاع المدني المهمة بنفسه، وفق ما يؤكد لـ”النهار” رئيس بلدية عاليه وجدي مراد. ويقول ان “البلدية أعطت عناصر الدفاع المدني كمامات وخوذا، نظراً الى النقص الحاد في العتاد وقلة الاهتمام بهؤلاء الشباب الذين يفنون حياتهم في المغامرة والمخاطرة في سبيل انقاذ الآخرين”. وماذا عن عدد سيارات الاطفاء التابعة للدفاع المدني؟ “سيارتا اطفاء فقط موجودتان في قضاء عاليه، وهو رقمٌ محرج مقارنةً بعدد بلدات القضاء”.
لعلّ ما يصرّح به مراد، يعكس حراجة واقع الدفاع المدني في لبنان، ويطرح السؤال العريض عن دور الدولة في المحافظة على ثورتها الحرجية، وعن اي اجراءاتٍ فاعلة نتحدّث في ظل هذا الكم الهائل من الحرائق السنوية التي يعرفها بلد الأرز. وماذا عن مسؤولية البلدية في هذا الاطار؟ “الحادث أجبر بلدية عاليه على اتخاذ اجراءاتٍ حاسمة تهدف الى منع المفرقعات النارية بشكلٍ كامل”. جغرافياً، الحرج تابع لبلدة عين السيدة المتاخمة للمدينة، لكن بلديتها متواضعة، وإذا أرادت تعيين شرطيٍّ واحد فلا تقدر، بل تستفيد من الخدمات التي تقدمها لها بلدية عاليه. وفي ذلك علامة استفهامٍ ثانية تطرح، حول دور الدولة في تقديم مخصصاتٍ وافية للبلدية، لأن الشق الانمائي لا يمكن حجبه عن الشق البيئي. واذا كانت الدولة وفّرت على نفسها دعم البلديات الصغيرة، ولم تكلّف نفسها عناء دفع أجرة شرطي بلدية، او ناطور حرجٍ يحمي هويتها، فكيف لها ان تأبه لخسارة آلاف الأشجار الخضراء؟
امتداد حريق حرج عين السيدة يومين كاملين، يدفعنا الى السؤال عن طبيعة الأرض التي منعت القوى المتضافرة من السيطرة على الحريق في وقتٍ قصير. يشرح أحد شهود العيان الذين شاركوا في عملية الاخماد، ان طبيعة انحدار الجبل لا تخوّل المواطن الدخول اليه بسهولة. فيما الطريقان السفلي والعلوي بعيدان كلّ البعد عن الحرج، وهو ما صعّب إمكان الاطفاء بواسطة سيارة الدفاع المدني وحتّم اللجوء الى طوافات الجيش. ومن الملاحظات اللافتة التي يشدد عليها الشاهد، واكدها مراد، القنابل غير المنفجرة التي لا تزال مزروعةً في ارض الحرج، والتي تعود الى زمن الحرب. هذا ما منع المواطنين من الاقتراب من جهة، وأدى الى انفجار القنابل العنقودية، مما زاد الوضع صعوبةً ومنع اي امكان لمعالجة الوضع سريعاً.
خلاصة من أربعة رؤوس أقلام يمكن استنتاجها من حرج عين السيدة المحترق. اولاً، ان اللبناني يأبى الاحتفال بطريقةٍ حضارية أقل كلفة على البيئة والانسان. ثانياً، ان الدولة لا تأبه لدعم الدفاع المدني، وهي بالكاد أقرت تثبيت عناصره المكافحين منذ أشهر. ثالثاً، ان دعم الدولة للبلديات قد يكون انتقائياً، في ظل الحرمان الذي يطال البلدات الصغيرة من المخصصات ومنها بلدة عين السيدة. رابعاً، وبعد مضي أكثر من عقدين من الزمن على طي صفحة الحرب اللبنانية، لا تزال قضية القنابل العنقودية وبقايا القذائف تهدّد البشر والشجر على السواء. المشكلات نفسها، وما من حلٍّ في الأفق.
واذا ما أردنا احراج موقف الدولة أكثر، نتساءل عن مصير طائرات “سيكورسكي” الثلاث لمكافحة الحرائق، والتي أمنت “جمعية أخضر دائم” التمويل لشرائها سنة 2009 بقيمة 13 مليوناَ و875 دولاراً. لا مجيب. فقط ذبذبات تقول على لسان رئيس الجمعية الوزير فادي عبود ان الحكومة السابقة أقرت مبلغ مليون دولار لصاينة الطائرات. ولكن لا بد ان تكون الصيانة دورية، مما يعني ضرورة تأمين الأموال باستمرارية. اذاً الطارات مهملة لعدم توافر الأموال لصيانتها. ليس ما يعبّر عن خيبة من واقعٍ كهذا أفضل من الصمت.