25-01-2021 | 16:16 المصدر: “النهار”


رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع (ألدو أيوب).
أثار عنوان مقال “النهار” السبت الماضي، “ماذا بين #جعجع والحريري؟”، اهتمام الزميل شارل جبور رئيس جهاز التواصل والاعلام في “القوات اللبنانية”، الذي قدّم معلومات وتوضيحات في آن، وفي ذلك ما يستحق التنويه. ولا بد قبل الذهاب إلى هذه المعلومات والتوضيحات من القول إن لبنان يمر بمرحلة لا تُوصف بتراكم الأزمات التي لا داعي لتكرارها، فهي الهمّ اليومي للبنانيين والمقيمين، بل تُتصَف أيضاً بفقدان الأمل في تحريك الضمائر. أوليس هذا ما قصده البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظته الأخيرة عندما سأل: “ألا تخافون الله والناس ومحكمة الضمير والتاريخ؟”. والسؤال موجّه بالطبع إلى الحكم سواء أكان تنفيذياً أم تشريعياً، والذي يتصرف وكأنه غير مسؤول. من المتعارف عليه، والذي يكتسب أحياناً طابع الدعابة، هو أن كل ماروني منذ ولادته هو مشروع رئيس للجمهورية. ليس في الامر دعابة إذا ما ذهبنا إلى الدستور الذي يعطي الحق لكل لبناني عموماً، وماروني خصوصاً، في أن يتطلع وفق الشروط المنصوص عنها في الدستور إلى تبوؤ هذا المنصب. فلماذا لا يكون رئيس حزب “القوات اللبنانية” #سمير جعجع، وهو مَن هو لجهة التمثيل النيابي في طائفته التي أعطاها العرف حق الرئاسة الاولى؟ يردّ جبور على هذا السؤال بسؤال آخر: “هل من يسعى حقاً إلى هذا المنصب الأرفع يتصرف على النحو الذي يفعله الدكتور جعجع الذي هو اليوم فعلياً “لم يعد له صاحب” على المسرح السياسي الذي يضم كل الشخصيات النافذة والتي ستكون عند استحقاق الرئاسة الاولى صاحبة كلمة في هذا الاستحقاق؟”، فلو كان رئيس حزب “القوات” يعيش الآن هاجس أن يصبح رئيساً للجمهورية، كان من الأولى به ان يتقرب من الرئيس الحريري مقدماً التنازلات له. هذا السلوك الواجب ان يعتمده جعجع لا يقتصر على الحريري فحسب، بل يشمل أيضاً غيره بمن فيهم “حزب الله”. أوليس هذا ما فعله العماد ميشال عون طوال الفترة الممتدة بين عودته إلى لبنان عام 2005 وحتى عام 2016 عندما أصبح رئيساً للجمهورية بدعم حازم من الحزب وبموافقة غير الحزب؟ إذاً، من البديهي القول إن جعجع لا يمكنه ان يصل وحده إلى ما يبتغيه بما في ذلك منصب الرئاسة الاولى. يؤكد جبور ان خلفية مواقف رئيس حزب “القوات” تنطلق من ان منصب الرئاسة الاولى ليس حكراً على فريق 8 آذار الذي يمتلك حالياً الاغلبية في المجلس النيابي. وإذا كان هدفَ لموقفه المعلن من الذهاب إلى إجراء الانتخابات النيابية المبكرة، فهو من أجل تغيير ميزان القوى الحالي وعودة الاغلبية إلى فريق 14 آذار كما كانت بعد انتخابات عام 2009. ولكي يتحقق هدف تغيير هذا الميزان، فهذا أمر ليس ضمن قدرة “القوات اللبنانية” أو غيرها منفردة أبداً، وبالتالي لا بد من العودة إلى التحالفات التي بفضلها مثلاً، يمكن لـ”القوات” ان تزيد من حصتها عما أسفرت عنها انتخابات عام 2018. ما هي حقيقة العلاقات بين جعجع والحريري حالياً؟ يعترف جبور بأن هذه العلاقات ليست على ما يرام. يضيف: “مشكلة القوات اللبنانية مع الرئيس الحريري انه يريد منها ان تمنحه التأييد للعودة إلى تشكيل الحكومة، بلا شروط”. وفي هذا السياق، ما زالت مرحلة ما قبل تشكيل الحكومة الاخيرة للحريري حيّة في الاذهان، عندما وعد الحريري جعجع بأن تكون من حصة “القوات” حقيبة سيادية، لكنه عاد الحريري وتراجع عن وعده متأثراً بضغوط الفريق الآخر. وعندما جاءت تجربة تكليف الدكتور مصطفى اديب تشكيل الحكومة الجديدة كان لرئيس حزب “القوات” موقف وصل منه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مفاده ان “القوات” مؤمنة بأن تشكيل تلك الحكومة التي لم تتشكل طبعاً هو من حق الحريري. وهذا ما أسمعه جعجع للنائبة بهية الحريري عندما صعدت إلى معراب في سياق جولة اتصالات قامت بها كتلة “المستقبل”. عندما التقى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط رئيس حزب “القوات” بعد توالي الأزمات على لبنان بدءاً من 17 تشرين الاول عام 2019، سأل جنبلاط جعجع: “ماذا بالإمكان أن نقوم به؟”، فاقترح جعجع الذهاب نيابياً إلى الاستقالة سوية من المجلس النيابي؛ ولما علّق جنبلاط على هذا الاقتراح بأن الفريق الآخر لن يرضى بذلك، أجاب جعجع: “أنا لا أعمل كي يرضى” ذلك الفريق. ثم كانت تتمة معروفة لِما تردد بعد اللقاء وهي ان جنبلاط قال لجعجع إن الفريق الآخر “بيقتلوك”، ثم شائعة منسوبة لجنبلاط ان “القوات اللبنانية” تقوم بـ”التسلّح”، وهو ما دحضته “القوات” كلياً. وفي إطار “ما يتردد” أيضاً، وخلال لقاء بين جعجع والدكتور فارس سعيد، جرى طرح موقف “القوات” من “حزب الله” وما يثيره من التباس يوحي وكأن هناك سعيّاً من “القوات” للتقرّب من الحزب. فقال جعجع لسعيد: “بإمكانك أنت ان تدلي يومياً بموقف من حزب الله، لكن هذا الامر دونه محاذير إذا قامت به القوات اللبنانية”. لكن موقف “القوات” هذا ليس ثابتاً، وهذا ما ظهر في آخر موقف لجعجع من إطلالة الامين العام للحزب حسن نصرالله وكان موقفاً مفنداً لطروحات نصرالله. كيف يمكن الخروج من دائرة المرواحة التي تحكم مسار الحياة السياسية، في وقت تكاد فيه الازمات على أنواعها أن تبتلع لبنان؟ يجيب جبور قائلاً إن “القوات اللبنانية” تحضّ الفريق السيادي على اللقاء من أجل إطلاق مسار التغيير. وكشف عن عمل قائم لدى “القوات” لتحضير ورقة عمل لهذا المسار ليكون منطلقاً للمناقشة مع هذا الفريق على رغم التباينات بين أفرقائه في الوقت الراهن. وهنا، لا بد من العودة إلى تجربة “قرنة شهوان” التي انطلقت في التسعينيات من القرن الماضي لتصل إلى مفترق حاسم بدءاً من العام 2001، عندما انطلقت تحت عنوان توحيد الصفوف حتى نجحت، ومن أهم معالم ذلك النجاح إيجاد أرضية مشتركة شملت في ما شملت الرئيس رفيق الحريري. ولا يجد جبور استحالة اليوم من العودة إلى خلاصة تلك التجربة التي تحفظ لكل طرف خصوصيته، وتحضّر في الوقت نفسه الارضية لمواجهة تطورات على غرار تلك التي أوصلت لبنان إلى اتفاق الدوحة عام 2008. ويسأل جبور: “ماذا نحن فاعلون إذا ما طالب الطرف الآخر بتغيير إتفاق الطائف؟”. ahmad.ayash@annahar.com.lb