الرئيسية / مقالات / لماذا عادت “القوات” عن تصعيدها وبرَّدت الاجواء سريعاً مع “التيار الحر”؟

لماذا عادت “القوات” عن تصعيدها وبرَّدت الاجواء سريعاً مع “التيار الحر”؟

إبراهيم بيرم
النهار
29062018

لقاء بين جعجع وكنعان ورياشي وباسيل. (ارشيف)

في التقويم الداخلي لفريق 8 آذار ان الرئاسة الاولى ومعها “التيار الوطني الحر” قد كسبا الجولة في المواجهة السياسية الاخيرة التي احتدمت على خلفية عملية تأليف الحكومة العتيدة، لاسيما بعدما حضر الرئيس المكلف سعد الحريري الى قصر بعبدا ليعلن من على منبره بعث الروح في الاتفاق الرئاسي المبرم قبل نحو عامين، وبعدما أوفد حزب “القوات اللبنانية” أحد وزرائه في حكومة تصريف الاعمال ملحم الرياشي الى القصر الرئاسي ليؤكد انه حريص على تبريد الاجواء مع “التيار الوطني الحر”، وهو ما يعني ضمناً انه حريص على استمرار تفاهم معراب.

في مجرى السياسة العامة، يعزو الفريق إياه هذا السلوك “التهدوي التراجعي” من جانب فريقين سياسيين (“تيار المستقبل” وحزب “القوات”) بعد اقل من 36 ساعة على قرارهما الدخول في مواجهة مع العهد أوشكت ان تفرط عقد تحالفات وتفاهمات أساسية وتعرقل عملية استيلاد الجكومة، إما الى خطأ في الرهانات والحسابات، وإما الى سوء تقدير لردة فعل الطرف الآخر، او انه (السلوك) كان تجربة لا بد منها لكي يقال لمن يعنيهم الامر: هذا أقصى ما يمكن ان نبلغه في هجومنا، وبالتالي يتعين علينا التزام قواعد اللعبة السابقة المألوفة، واستطراداً تبريد الرؤوس الحامية وطيّ الخطاب التصعيدي – التهديدي.

“حزب الله” ما برح يردد على مسامع المتصلين به سائلين إياه عن تشخيصه لمآل التطورات: “لا يمكن اعتبار ما حصل اخيراً سوى انه تضييع إضافي ومجاني للوقت”. وهذا يعني ان المستجدات كلها لن تقدِّم او تؤخر في المقدَّر والمكتوب، وتحديداً في عملية تأليف حكومة الوحدة الوطنية المنتظَرة ولادتها.

واذا كان ثمة مَن يجد في طيات هذا الكلام اطمئناناً مسبقاً من جانب الحزب الى متانة المعادلة السياسية التي أُرسيت أسسها بُعيد انتخابات الرئاسة الاولى ومن ثم الانتخابات النيابية الاخيرة، فان الثابت ان الاحتدام الاخير هو مرحلة مفصلية بالنسبة الى الرئيس المكلف وحزب “القوات”، وأن ما بعده هو غير ما قبله، خصوصا على مستوى الطموحات.

فالرئيس الحريري كان على ما يبدو مضطراً الى اعلان ما يشبه “الانتفاضة المصغّرة” على خطوط سياسية حمر مرسومة سابقاً، أو بمعنى آخر الاعتراض على قواعد اللعبة السياسية المفروضة منذ زمن وفي مقدمها مسألة الصلاحيات وضمنها بطبيعة الحال صلاحية تأليف الحكومة.

وفي الموازاة فان لـ”القوات اللبنانية” حسابات اخرى في ولوجها أبواب هذه المواجهة. فهي منذ البداية مارست نوعاً من مغامرة سياسية مستعجلة وغير مضمونة النتائج، لا بل متهورة الى حد بعيد، بغية قطف ثمار تقدمها النسبي في الانتخابات الاخيرة، فاختارت ان تدخل في مواجهة مكشوفة مع شريكها في تفاهم معراب “التيار البرتقالي” تحت عنوان: إننا وإياك مناصفة نمثّل الشارع المسيحي، وهذا يعطينا الحق بان نكون شركاء متساوين في الحصص الوزارية، واستطراداً في لعبة أخذ القرار. وقد عزز الحزب إياه هذا التوجه لدى قاعدته بترويجه مقولة فحواها ان النتيجة التي افرزتها صناديق الاقتراع هي بمثابة محطة انتقالية ليس إلا، لانه في الانتخابات المقبلة ستكون الأحجام معكوسة، فنحصل نحن على الـ29 نائباً عوض حصتنا الحالية، اي 15 نائباً. وواكبت كل ذلك حملات سجالية متبادلة بين الطرفين.

لكن حزب “القوات” أيقن ولو متاخراً ان كل هذا النصر المزعوم سيظل منتقَصاً وبلا قيمة عملية ما لم يُصرف في رفع حصته في الحكومة المقبلة إن على مستوى العدد او على مستوى نوعية الوزارات التي ستُسند اليه. من هنا كان تركيزه على حصة من 4 وزراء مع نيابة رئاسة الحكومة، الى وزارة سيادية حدّدها بالاسم (وزارة الدفاع) لما لذلك من بُعد رمزي.

ولا شك في ان “القوات” وجدت ظهيراً لها هو الرئيس المكلف الذي، لسبب أو لآخر، أعاد فتح قنوات التواصل المباشر مع رئيسها سمير جعجع بعد طول امتناع، فمضت بعدها قدماً في رفع سقف شروطها ومطالبها الى الاقصى. لكنها اضطرت الى التراجع تحت وطأة الرد القاسي نسبياً من جانب “التيار البرتقالي”، والذي تجلّى في نعي رئيسه الوزير جبران باسيل لتفاهم معراب واتهام “القوات” بشكل غير مباشر بالانقلاب عليه من خلال تعطيل مسيرة العهد وعرقلة تأليف الحكومة.

وبقطع النظر عن مآل الامور لاحقاً، وهل ان ما حصل هو نهاية مطاف او جولة بين جولتين، فان ثمة من يرى ان “القوات” كانت مضطرة الى خوض هذه المواجهة بغية فرض شروطها واسترداد اعتراف واسع بشرعية تقدمها السياسي، وهو ما من شأنه ان يكون مدخلاً لاعطائها براءة ذمة من مرحلة زمن الميليشيات واعادة تلميع صورتها في الذاكرة المسيحية. فليس خافياً ان الهمّ الرئيسي لهذا الفريق هو القطع مع فكرة انه جزء من تركة الحرب الاهلية ويحمل الكثير من عقدها، وهو يبذل الكثير في اطار التحلل منها من خلال تقديم وجوه جديدة لاعلاقة لها اطلاقا بزمن الحرب. وانطلاقا من عمق هذه الرؤية فان “القوات” اضطرت الى ان تفرمل اندفاعتها في مواجهة “التيار الوطني الحر” ولا تذهب بعيدا في وضع خطوط تماس مع الرئاسة الاولى حتى لا تعود اليها صورة “الولد المشاغب” والمتحفز دوما للذهاب الى اشتباك ومن ثم اعلانها صراحة انها ملتزمة تبريد الاجواء مع “التيار” والحفاظ على تفاهم معراب.

اضف رد