الرئيسية / مقالات / لماذا حاول باسيل استعداء “الطوائف” كلّها على الشيعة؟

لماذا حاول باسيل استعداء “الطوائف” كلّها على الشيعة؟


سركيس نعوم
25062018
النهار

لا يُمْكن معرفة إذا كانت المشكلة مع الوزير جبران باسيل التي شكا منها الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، والتي أوصلها بالواسطة إلى الرئيس ميشال عون، والتي حصل على وعد منه بحلّها بعد الانتخابات النيابيّة قد حُلَّت. كما لا يُمكن معرفة إذا كانت المشكلات داخل “التيّار الوطني الحر” وداخل العائلة التي وعد عون بحلِّها بعد الانتخابات قد حُلّت أيضاً. لكن مُتابعي الأوضاع في البلاد وحركة الجهات السياسيّة الفاعلة فيها كلّها يعتقدون أن المشكلات الداخليّة أي الحزبيّة إذا جاز التعبير لا تزال من دون حل رغم المساعي التي يُقال إن سيّد قصر بعبدا يقوم بها. أمّا المشكلات مع “الحزب”، يُلاحظ هؤلاء، فإن باسيل يحاول الإيحاء بحلّها من خلال مواقف خارجيّة (عربيّة ودوليّة) اتّخذها من قضايا تعني الكثير للسيّد نصرالله ولرفاقه في القيادة. فمواقفه من المؤتمر الإسلامي الأخير الذي دعت إليه واستضافته اسطنبول أظهرت عودته إلى “الخطاب الوطني” وفق منطق “الحزب” وتعريفه. وتصاعُد مواقفه المطالبة الأمم المتّحدة والدول الكبرى بإعادة النازحين السوريّين إلى بلادهم، واعتبارُه أنّ الوضع فيها صار آمناً للعودة، ودعوته إلى حوار رسمي بين حكومتي بيروت ودمشق أو بين دولتي لبنان وسوريا في ظل غياب الحكومة الفاعلة، هذا التصاعد يتوافق مع مواقف “الحزب”. إذ يشير في شكل واضح إلى اعتراف بانتصار الرئيس بشار الأسد ونظامه في الحرب المُستمرّة منذ 2011، وإلى حرص على تثبيت هذا الانتصار بإعادة النازحين الذين عارضته غالبيّتهم سلماً أو حرباً ووضعهم في تصرّفه، وجعلهم مادة يستطيع مساومة المجتمع الدولي بها كي “تختم” الحرب السوريّة على نحو يؤمّن بقاءه ونفوذ حليفتيه روسيا والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. لكن السؤال الذي يُطرح اليوم هو هل سيستمر باسيل في سياسته الداخلية التي هدفت بقصد منه أو بغير قصد إلى استعداء اللبنانيّين سُنّة ومسيحيّين ودروزاً على الشيعة، والتي اعتمدت خطاباً مسيحيّاً مُتطرّفاً يرمي إلى ضرب اتفاق الطائف بأعراف جديدة تُعيد “السلطة” إلى رئيس الجمهوريّة الماروني، وتفتح له طريق الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة بعد عمّه الرئيس عون؟ أم أنه سيعتمد التعقّل والحكمة في سياسته الداخليّة، ويمتنع عن خطوات يُشتمّ منها حرصه على إقناع أعداء حلفائه الداخليّين والإقليميّين بأنه جاهز للاقتراب منهم تدريجاً أو بقدرته على ذلك؟ طبعاً لا يمتلك “حزب الله” جواباً عن ذلك كلّه. لكن المعلومات المتوافرة عنه عند مُتابعين له من قرب تفيد أن الثقة بباسيل لم تُسترجع بعد، وأن الشكوك لا تزال موجودة، لأن “الحزب” معروف بدقّته و”شكّه المبدئي” في الحلفاء والأخصام والأعداء، وهو ينطلق من الحرص على حماية الذات. وتفيد أيضاً أن الجروح التي تسبّب بها لـ”الحزب” لا تزال جروحاً. طبعاً، يشير هؤلاء إلى اجتماعين عقدهما السيد نصرالله مع باسيل بعد الانتخابات لتقويم مسارها والمواقف التي اتّخذها الطرفان فيها، ولمعالجة الاختلافات التي حصلت وأخيراً للتفاهم على نهج جديد للعمل المشترك في الداخل ومع الخارج يلغي الشكوك ويشفي الجروح. وإذا كانت المُعطيات غير كاملة عن الاجتماع الأوّل، فإن الاجتماع الثاني غابت تفاصيله الدقيقة عن وسائل الإعلام حتى المشهورة منها بـ”المحاضر” مجتزأة كانت أو كاملة.

وفي هذا المجال يُشير المُتابعون من قرب لحركة “حزب الله” أنفسهم أن الوزير خرج من الاجتماع الأوّل المُشار إليه أعلاه “والدمعة في عينه” كما يُقال. لماذا؟ يُجيب هؤلاء: “لا نستطيع التحدّث كثيراً عن هذا الموضوع. هذا ما قاله لنا قريبون عريقون، علماً أن كثيرين منهم لا يعرفون بدقّة كل ما دار فيه”. ويضيفون: “إن ما يمكن قوله إن السيّد نصرالله كان صريحاً جدّاً وقاسياً في وقت واحد. ومِمّا قاله إن “الحزب” انسجم مع نفسه في الانتخابات. فاحترم تحالفه مع الرئيس برّي و”حركة أمل” التي شكّل معها ما سمّاه الناس “الثنائيّة الشيعيّة”، واحترم تحالفه مع الحزب السوري القومي الاجتماعي ومع “تيّار المردة” الذي يتزعّمه النائب (السابق) سليمان فرنجية، واحترم تحالفه مع مرشّحين سُنّة وعلاقاته المقبولة مع سُنّة آخرين. وفي دوائر عدّة احترم تحالفه مع “التيّار الوطني الحر”. ويعني ذلك أن “الحزب” لم يتحالف مع جهات سياسيّة وحزبيّة تُناصبه العداء لأسباب مصلحيّة أو لأن بينها وبينه خلافات سياسيّة حادّة. ومن هذه الجهات “القوّات اللبنانيّة”، ومنها أيضاً “تيّار المستقبل”. وعلى العكس فإن “المستقبل” اشتغل ضدّه. أمّا أنتم كـ”تيّار وطني حر” أنت رئيسه كُنّا نأمل في أن نتحالف كُلّنا معك وفي كل الدوائر. لكنّك أردت الاستئثار بالتمثيل المسيحي وشطب فرنجية والقوميّين السوريّين وأسعد حردان. وأردت فرض مُرشّحك الكاثوليكي في بعلبك – الهرمل. أنت أردت كل شيء ونسجت تحالفات مع أعدائنا كُلّهم. واستعملت لغة ضدّنا. نحن مع أن يكون الشيعي في جبيل متصالحاً مع بيئته ومُتعايشاً معها. أمّا أنت فهاجمت وحاولت تدمير ذلك كأنّك أردت استهداف الشيعة. فهل تعتقد أن تطويع شيعة جبيل لن يستفزّ شيعة الجنوب فيُقدموا على تطويع المسيحيّين وإضعافهم. لكنّنا لم نفعل ذلك”.

ماذا هناك بعد عن المُكاشفة الصّريحة والقاسية بين “حزب الله” و”التيّار الوطني الحر”؟

يُجيب المُتابعون من قرب لـ”حزب الله” أن التصرُّف الطائفي للوزير باسيل في الانتخابات النيابيّة انطلق من اقتناع بأن الأقوى في الطائفة الشيعيّة صار رئيس مجلس نوّاب من زمان ولم يقوَ أحد على زحزحته أو الترشّح ضدّه، وبأن الحريري الأقوى عند السُنّة صار رئيس حكومة. ويجب أن يكون هو الأقوى مسيحيّاً ليصير رئيس جمهوريّة.

اضف رد