قبل أسبوعين ورد في أخبار التلفزيون خبر انجاز كبير للجمارك، هو اكتشاف 400 كيلوغرام من حشيشة الكيف مصدرة بعد توضيبها وكأنها قطع صابون الى كندا.
الحقيقة ان اكتشاف عملية التهريب هذه دليل على يقظة الجمارك استنادًا الى القوانين السارية في لبنان، والامر اللافت ان هذه الكمية – الضئيلة نسبيًا – لو وصلت الى كندا لما كان هنالك أي اجراء عقابي في حق مصدريها أو مستورديها لان الحشيشة واستعمالاتها أصبحت مشرعة في كندا.
كندا ليست البلد الوحيد في شمال القارة الاميركية الذي يسمح باستهلاك حشيشة الكيف وتصنيعها كأدوية نافعة لمعالجة الالم وعدد من الامراض العصبية، وهنالك مصانع في كندا لإنتاج الادوية المستخرجة من الحشيشة، كما ان شركة كندية انشأت مصنعًا في كولومبيا، بلد انتاج المخدرات المضرة. وتنصبّ في كولومبيا جهود حكومية واستثمارية على توسيع زراعة الحشيشة وتصنيع الادوية منها سعيًا الى إحلال الحشيشة محل الكوكايين والهيرويين والمخدرات المؤذية التي اشتهرت كولومبيا بتصديرها الى الولايات المتحدة.
ضمن الولايات المتحدة باتت هنالك 18 ولاية تشرع زراعة الحشيشة وتسويقها، والاعلانات عن تسليمات الطلبات الى المنازل اصبحت معروفة إن في نيويورك – اذ التشريع لا يزال ضيقًا من غير ان يكون الزامي المنع – أم في لوس أنجلس ومختلف انحاء كاليفورنيا.
اذا شئنا تعداد سكان الولايات الأميركية التي تسمح بتسويق الحشيشة وزراعتها وتصنيعها، واضفنا اليها عدد سكان كندا وكولومبيا والمكسيك، تصبح هذه الزراعة شرعية في ولايات ودول يبلغ عدد سكانها 150 مليون نسمة، ومن هؤلاء نسبة 35 في المئة من سكان كاليفورنيا، التي يطالب بعض المسؤولين فيها، بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، بالانسحاب من الاتحاد واعلان جمهورية مستقلة، وهذه الدعوة ليست عبثية لان عدد سكان كاليفورنيا يوازي 60 مليون أميركي، وربما 10 ملايين مكسيكي معظمهم لا يحملون اجازات شرعية.
ان موازنة ولاية كاليفورنيا توازي بل تفوق الموازنة الفرنسية، وحجم الدخل القائم في كاليفورنيا يفوق حجم الدخل القائم الاجمالي إن في بريطانيا، أم في فرنسا، ويوازي حجم الدخل القائم السنوي في ايطاليا واسبانيا مجتمعين، وتالياً فإن استقلال او انسحاب كاليفورنيا من اتحاد الولايات المتحدة، كما قررت بريطانيا نتيجة الاستفتاء على الاستمرار في عضوية الاتحاد الاوروبي أو عدمه، وتصويت المشاركين في الاستفتاء بنسبة 52 في المئة مع الانسحاب، أمر يبدو مستبعدًا على رغم أصوات المؤيدين لهذا الانفصال ومقالاتهم وبينها اصوات مسموعة اعلاميًا وسياسيًا. لكن هذا التوجه يستوجب انقضاء سنوات، ومن المرجح ان يكون عهد الرئيس دونالد ترامب قد انتهى، فتهدأ فورة الاندفاع نحو الانسحاب من عضوية الاتحاد الفيديرالي الاميركي. ولو حصل هذا الامر أي الانسحاب لتقلصت اهمية الاقتصاد الاميركي الى حد بعيد لان كاليفورنيا تحتضن معظم شركات التكنولوجيا وصناعة السيارات الكهربائية والعديد من الصناعات الحربية، اضافة الى انتاج نفطي ملحوظ.
يتمحور التفكير الاقتصادي – المالي في لبنان لدى الطبقة السياسية الى العجز وكيفية ضبطه وفي الوقت ذاته ابتداء مرحلة اعادة تكوين التجهيز البنيوي – أي إمدادت الكهرباء وانتاجها بأحدث الوسائل – وتنقية تدفقات المياه والاستفادة منها – تحسين شبكة الطرق لتخفيف الازدحام وقد يكون من الضروري ضبط عدد السيارات التي تدخل العاصمة يوميًا عن سبيل فرض رسوم مرتفعة الى السيارات التي تأتي براكب أو اثنين فقط – تطوير شبكة الاتصالات الخليوية والارضية مع خفض رسوم التخابر – تنقية الاجواء من التلوث المضر صحيًا وماديًا ومعالجة مشكلة النفايات الخ.
مقابل كل هذه التحديات وتحديات أخرى، المنهج الحكومي هو زيادة الرسوم والضرائب على كل النشاطات التي يحتاج اليها المواطن من رسوم الطوابع على الفوائد، الى رسوم المطار للسفر. وفي المناسبة، تبلغ كلفة السفر الى قبرص ذهابًا وايابًا مع شركة انشئت حديثًا في قبرص، نصف الرسم الذي يستوفى لمن يسافر الى قبرص في درجة رجال الاعمال. والدولة تريد فرض ضريبة اضافية على فوائد ايداعات اللبنانيين التي هي أصلاً 5 في المئة لتصير 7 في المئة فتكون الزيادة بنسبة 40 في المئة. وهذه الضريبة كما هي اليوم تؤخر الحماسة للايداع في لبنان، وتدفع القيمين على المصارف الى النشاط لاستقبال الودائع أو تأسيس مصارف أو أعمال مالية في بلدان معدلات ضرائبها أقل، كما تكاليف خدماتها الاساسية كالكهرباء والاتصالات والاسفار، ومن هذه البلدان على سبيل المثال، قبرص وايرلندا ومالطا.
أي مبتدئ في ملاحقة التطورات الاقتصادية العالمية أو علوم الاقتصاد يدرك ان البطالة علة العلل، وان نسبتها ترتفع كلما انخفضت معدلات النمو كما تأسيس الشركات ومبادرات الزيادة وهذه كلها تتعلق بالقوانين والتحفيزات.
الاستهدافات الانمائية والتجهيزية غائبة كليًا عن اهتمامات المسؤولين، ويجب التذكير بأن عمر مجلس النواب ثماني سنوات وان دفة تسيير الحكم في أيدي الفئة المستحكمة بالشأن العام منذ 12 سنة على الاقل وليس هنالك من التفات الى سبل زيادة الدخل القومي وتحسين حسابات ميزان المدفوعات وتوسيع فرص العمل.
لقد اجهدت نفسي والقارئ بالكتابة عن مناهج تحسين توفير الكهرباء وتحقيق وفورات ضخمة، والتوجه الى تنقية المياه والاستفادة مما يمكن ان توفره للبنان، وذهب الكلام في الهواء. وكما أقول للأصدقاء، كتابة الرأي في لبنان، كالمياه على سطح البطيخ تنساب من غير ان تترك أي أثر.
قبل بضع سنوات طالبت بتشريع زراعة الحشيشة في لبنان لانها زراعة انتشرت خلال سنوات التحكم السوري في البقاع وقبل ذلك، واصبح من المعروف انها زراعة غير مضرة صحيًا بل يمكن استعمال انتاجها لتصنيع الادوية.
لبنان المحتاج الى زيادة دخله القومي وتنشيط الاقتصاد يفرض الرسوم المضرة والباهظة ولا يولي تشريع الحشيشة أهمية. والواقع ان فترة تحكم الضباط السوريين بزراعة الحشيشة ومن ثم توضيبها وتصديرها كانت توفر لهم ما بين 4-5 مليارات دولار سنويًا وللمزارعين 30 في المئة من الدخل القائم. ومنذ ذلك التاريخ ونتيجة انفتاح مجالات انتاج الحشيشة وتسويقها في بلدان عدة متطورة، توسعت مساحات زراعة الحشيشة وانخفض ثمنها. انما إذا شرّع لبنان هذه الزراعة وعهد في تنظيمها الى الريجي التي هي المؤسسة العامة الوحيدة التي توفر للدولة خامس اكبر مواردها، يمكن ان تدفع نمو الدخل القومي بنسبة 3-4 في المئة سنويًا الامر الذي يوفر للبنان نسبة النمو المطلوبة لاستيعاب نسبة أكبر من شبابنا الباحثين عن فرص عمل ممن فقدوا الامل ويسافرون في احيان كثيرة الى غير رجعة. ليت السياسيين يدركون ان الخسارة الكبرى هي خسارة الشباب.