الرئيسية / home slide / لماذا إهمال سيادة القانون؟!

لماذا إهمال سيادة القانون؟!

22-01-2021 | 00:11 المصدر: النهار

مروان اسكندر

الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل

 المشهد اللبناني محزن جداً. فالحكام المتحكّمون اهملوا الدستور والقوانين في حالات كثيرة لها أضرار واسعة. خلال دراستنا الحقوق في الجامعة اللبنانية والاقتصاد في الجامعة الاميركية وجامعة اوكسفورد، تركز وعينا بالشأن السياسي على ان الديموقراطية لا يمكن ان تستقر في اي بلد لا يتمتع بمفهوم سيادة القانون، اي سريان القانون فعلاً على جميع المواطنين بالتساوي وبصورة عادلة. لبنان فقد سيادة القانون خلال سني الحرب، اي ما بين 1975 و1990، ومن بعد عام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري ونواب ووزراء مميزين مثل الوزير بيار الجميل، والنائب والصحافي جبران تويني، والصحافي سمير قصير، والحزبي والنقابي جورج حاوي. وللتذكير نشدد على ان التحقيق في اغتيال المذكورين اعلاه لم يتوصل الى اي نتيجة بل هو في الواقع اصبح منسيًا، خصوصا من الطبقة الحاكمة. اهمال مبدأ سيادة القانون وشموليته تبدّى في حالات كثيرة وارتبط بتراخي او تشدد القضاة لاسباب غير قانونية وغالبًا نتيجة ارتباطات سياسية، وكلنا نعرف ان عهد سيطرة غازي كنعان ورستم غزالة على الشؤون اللبنانية، كان تسليمًا لمشيئة كل من الرجلين. والواقع ان غازي كنعان تعامل مع اللبنانيين في شكل افضل، وان كان استئثارياً، اي ميالاً الى التسامح مع المؤيدين للوجود السوري. اما رستم غزالة فقد استغل منصبه لجمع ثروة غير مستحقة، إذ بلغت سحوباته بالبطاقة المصرفية من “بنك المدينة” مع ابنه 45 مليون دولار. ويبدو ان استبداد الرجلين وسيطرتهما على شؤون الافراد ونشاطاتهم تسببا بانتحار غازي كنعان بعد مغادرته لبنان لتولّي منصب وزاري في سوريا، ومقتل رستم غزالة تحت أقدام مواطنيه لما ابداه من عجرفة تجاه اهل بلدته، هذا رغما عن حصوله على دكتوراه في العلوم السياسية، كان عنوانها خصائص الحياة السياسية للعائلات اللبنانية، ولم يعرف حتى تاريخه من كتب له الاطروحة. فهو كان منشغلاً بموجبات السيطرة على حياة السياسيين اللبنانيين وبعض المواطنين غير العاديين من الناجحين في اعمالهم. اهمل المتحكمون السوريون الحقوق والقوانين اللبنانية، والمثل الآتي واضح. اختلس مواطن لبناني كان رئيسًا للمحاسبة في مستشفى الجامعة الاميركية مبلغ 400 الف دولار اجرى قيدها على انها لمشتريات ادوية لم يتبين انها توافرت للمستشفى، وقد طرد المواطن اللبناني من منصبه واجبر على ارجاع المبلغ…عندئذٍ تدخّل غازي كنعان لحماية حقوق المختلس المطرود، وألحّ على الدكتور ابرهيم السلطي الذي كان رئيسًا للجامعة حينذاك لاعادة الموظف الى وظيفته وتعويضه عن ارجاع المبلغ. أخبار هذه التصرفات غير القانونية بلغت رئيس مجلس امناء الجامعة الاميركية في نيويورك الذي اتصل مباشرة بالسفير الأميركي في دمشق ادوارد جيرجيان وطلب منه الاعتذار من الجامعة، وتقبل صرف الموظف، وارجاعه الى وظيفته. هكذا كان الجهد المطلوب لاستعادة القانون. اليوم بعض الوزراء المنتمين الى ما يسمى “فريق الممانعة”، اي الحكم السوري والحكم الايراني، ولا يُعرف ما يمانع الحكم السوري، فهو متقبل لسيطرة اسرائيل على الجولان، ومتقبل لتهجير نصف السوريين الى لبنان، والاردن، ومصر وفرنسا والمانيا، واستمرار آل الاسد في قيادة سوريا، بنصف اهلها المتبقين فيها، بدعم ايران عسكريًا، و”حزب الله” اللبناني. ويبدو ان في لبنان من يناصر الحكم السوري، اضافة الى “حزب الله” الذي يطالب الدولة اللبنانية بمناصرة الحكم السوري والسماح باستمرار عمليات تصدير المشتقات النفطية المدعومة الى سوريا من دون حصول لبنان على اي منفعة، والمهجرون السوريين في لبنان، رغم حصولهم على معونات دولية، يستنزفون الموارد اللبنانية ما يكفي لخسارة لبنان سنويًا ما يوازي 2-3% من دخله القومي المتقلص يومًا بعد يوم. مناصرو “الممانعة” يشجعون رئيس الجمهورية على ممارسة صلاحيات تتجاوز في مفهوم الديموقراطية مبدأ واصول سيادة القانون والدستور، وبعض الامثلة يكفي. رئيس الجمهورية يعلق التعيينات القضائية التي انجزها مجلس القضاء الاعلى وارسلها الى وزيرة العدل التي وقعتها بعد جهد جهيد، واعادها رئيس الجمهورية الى مجلس القضاء لإعادة النظر في التشكيلات، لكن المجلس بعد التباحث في طلب الرئيس أصر على التشكيلات المقدمة منه سابقًا. وبحسب العرف كان يفترض في رئيس الجمهورية ان يوافق على توصيات مجلس القضاء الاعلى. ربما ليس هنالك مخالفة قانونية، لكن تطبيق القوانين يفترض توافر القضاة الاكفاء في المناصب، وهذا الامر لا يتحقق مع موقف رئيس الجمهورية، وبالتالي ثمة احكام كثيرة لا تصدر في اوانها، وكل من يعلم شيئًا عن القوانين يدرك ان العدالة المتأخرة ليست عدالة. في المقابل هنالك مخالفات كبيرة ارتكبها وزير الاتصالات سابقًا، وهي مخالفات ادارية تخضع بحسب دراسة الدكتور حاتم ماضي (النائب العام التمييزي سابقًا) والمحامية جوديت شكري التيني المنشورة في “النهار” في 18 من الجاري، لصلاحية القضاء العدلي الجزائي. ابرز مخالفات الوزير المذكور، والذي ينتمي الى “التيار الوطني الحر”، تعاقده على استئجار مبنى لوزارته لسنتين بمبلغ 12 مليون دولار، والمبنى لم يستعمله الوزير المعني ولا الوزارة، لكن المبلغ دُفع، اي ان الدولة نُهبت بـ12 مليون دولار، والقانون أو القضاء العدلي الجزائي يحاسب الوزير، لكن العهد لا يحاسب وزيرا ينتمي الى الحزب، فاين هو القانون، فخامة الرئيس؟ في مقابل اهمال الموجبات المشار اليها، احيل شابان على المحاكمة لانهما سوّقا كمية بسيطة من الحشيشة مقابل 30 الف ليرة لبنانية، اي ما يعادل 4 دولارات بسعر السوق الحرة، وبموجب القانون الساري يمكن الحكم عليهما بالسجن سنوات عدة. هل هذا قانون يا حضرة الرئيس، وهل هذا قانون يا حضرة الوزير جبران باسيل؟ قبل صدور احكام، كالتي يواجهها الشابان المعنيان، دعونا نحاكم وزيرا على اهدار 12 مليون دولار.