التغريدة التي كتبها وزير الخارجية جبران باسيل في طريق العودة من الرياض بعد المشاركة في القمة الاسلامية مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب بقوله: “لم نكن نعلم باعلان الرياض لا بل كنا على علم ان لا بيان سيصدر بعد القمة وقد تفاجأنا بصدوره وبمضمونه ونحن في طائرة العودة. اما وقد وصلنا الى لبنان فنقول اننا نتمسك بخطاب القسم والبيان الوزاري وسياسة ابتعاد لبنان عن مشاكل الخارج وابعادها عنه ضناً بلبنان وشعبه ووحدته”، بدت تبريرية بالنسبة الى البعض وكأنما لبنان يخشى تداعيات نتائج القمة عليه. اذ في الوقت الذي كان مرتقباً في ضوء الاعداد للقمة الاسلامية الاميركية ان عناوينها معروفة وهي لم تكن خافية لا بل ان عدم دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انما فهم على خلفية احترازية بمقدار ما هو على خلفية تحذيرية. لكن لا يمكن القول ان لبنان لم يكن في اجواء ما كان سيصدر من مواقف فيما انطلقت مبكرة التحذيرات او التنبيهات لرئيس الحكومة سعد الحريري والوفد اللبناني المرافق علماً ان لبنان الذي طمح في القمة العربية التي انعقدت في الاردن اخيراً الى ان يستعيد مقعده وموقعه كجزء لا يتجزأ من العالم العربي وان يكون كذلك ويعامل على انه كذلك قد يلزمه التضامن مع المواقف التي يقع عليها اجماع عربي. ومن هنا الاشكالية التي يمكن ان تحشر لبنان وتضعه في موقع حرج ازاء الموقف الذي عبر عنه باسيل ولو انه مفهوم اذ ان التغريدة التي توحي وكأنما لبنان ليس معنياً بما لم يطلع عليه من نتائج او لانه لم يوضع في اجوائها على نحو مسبق بل هو يواجه تحدياً ما دامت القمة استهدفت ارساء ميزان قوة جديد في المنطقة في مواجهة ايران والتنظيمات المؤيدة لها او التي تدور في فلكها خصوصاً ان “حزب الله” تمت تسميته بالاسم. وهذا التحديد للحزب يفيد ببساطة انه وما دام منطلقه ونقطة ثقله في لبنان، فانه من غير المستبعد ان يطاوله التشدد في لبنان وانطلاقاً منه. وهذا مصدر خشية لدى البعض في ظل قانون متجدد للعقوبات على الحزب علماً ان المحور الاساسي الموجه ضد طهران يثير تساؤلات من نوع اين وكيف ستجرى ممارسة الضغوط على ايران باعتبار ان القمة الساعية لردع النفوذ الايراني تتحدث عن اليمن ولبنان وسوريا والعراق؟ وليس بعيداً من ذلك الخشية من توظيف البعض الى اي فئة انتمى التحالف الاسلامي المبني على عودة الانخراط الاميركي من اجل محاولة تحصيل ما يمكن تحصيله من الحزب في هذه المرحلة.
يقلق عدد من السياسيين من هذه الزاوية، اي ان يكون لبنان ساحة لممارسة ضغوط تضيق على الوضع فيه او تعيد اشعال الضغوط المتبادلة القائمة اصلاً عبر قانون الانتخاب على سبيل المثال. فايران التي وجهت رسالة تزامناً مع زيارة ترامب للسعودية ولقائه زعماء عدد كبير من الدول ذات الغالبية السنية باعتماد خيار مرن نجح في السابق في الحصول على انفتاح الدول الغربية، وهو نجح في استقطاب التهاني باعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني انما ذلك قد يعني ان بعض الضغوط قد تكون مفيدة. تعلم ايران جيداً ما معنى ذلك بدليل استفادتها من ولاية الرئيس باراك اوباما من اجل تسعير نفوذها في الدول العربية وتعميقه على وقع الحاجة الماسة للادارة الاميركية السابقة في تسجيل ما اعتبرته انجازاً عبر وقف تطور الملف النووي الايراني. فايران حققت تقدمها دعماً للرئيس السوري بشار الاسد على وقع الحاجة الاميركية لذلك استطاعت تجذير وضعها في العراق وتحقيق نجاحات في لبنان كما في اليمن. الا ان اميركا خسرت حلفاءها ولم تربح ايران في المقابل، في حين ان الادارة الاميركية الحالية اختارت الوقوف مع الحلفاء السابقين في وجه ايران والتنظيمات المتطرفة. النجاح للمملكة السعودية في الدرجة الاولى مع ادارة الرئيس دونالد ترامب انها دحضت نظرية التطرف السني وحده لتضع الى جانبه تطرف التنظيمات الشيعية انطلاقاً من ايران. وعلى رغم الانتقادات التي طاولت جوانب كثيرة من زيارة ترامب للمملكة، وهي تتناول المقدار الكبير من الجهد المبذول على كل الصعد لاعادة الولايات انخراطها في المنطقة الى جانب حلفائها السابقين، فان الانقاذ قد يكون متبادلاً على وقع حاجة ترامب لاطلالة خارجية مثمرة جداً تعوّض الانهيارات المتواصلة في وضعه الرئاسي بعد سلسلة اخفاقات سياسية مرتبطة بالتحقيق حول صلات لأفراد من حملته مع روسيا. الاتفاقات الهائلة التي وقعت مع الجانب السعودي يفترض ان تقلق ايران لأنها تفيد بأن لا عودة محتملة الى الوراء ازاء ايران من دون ان يعني ذلك حكماً الذهاب الى خيار الحرب عليها او ضدها. لكن التحالف العربي السني مع الولايات المتحدة يمكن ان يقوّي اوراق التفاوض في وجهها ولا يتركها حرة في تحركاتها. وسبق لها ان بدأت تشعر بذلك في سوريا كما في العراق. ولعل لبنان لن يكون بعيداً من ذلك، اذ ان الولايات المتحدة اخذت خطاً بدأت تنخرط على اساسه في المنطقة مجدداً وهو خط متحيز لمحور في مقابل المحور الآخر. هل يساعد ذلك في تعزيز اوراق التفاوض فلا تعود الدول العربية في موقع ضعف ازاء التعنت الذي اظهرته ايران في المرحلة السابقة ابان عهد اوباما؟ هذا ما يأمله ويتوقعه كثر انطلاقاً من الدعم للمملكة في اليمن في الدرجة الاولى علماً ان التوازن لا يشمل ايران بل ايضا رسم إطاراً لروسيا ايضاً ازاء اعادة الانخراط الاميركي القوي في المنطقة على امل ان يساعد ترامب على الثبات وانقاذ ولايته.