اخبار عاجلة
الرئيسية / home slide / لبنان مستقبلاً قاعدة عسكرية فرنسية أو أميركية؟

لبنان مستقبلاً قاعدة عسكرية فرنسية أو أميركية؟

08-02-2021 | 00:42 المصدر: النهار

سركيس نعوم

لبنان مستقبلاً قاعدة عسكرية فرنسية أو أميركية؟

خيّب اللبنانيون بشعوبهم وطوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم وقادتها رئيس فرنسا إيمانويل #ماكرون أكثر من مرة منذ إطلاقه مبادرته في أثناء زيارته لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت أو تفجيره في الرابع من آب الماضي. فقد أتاهم مسرعاً للملمة جراحهم النازفة ولإبداء الاستعداد التام لتقديم المساعدة الصادقة لهم لإعادة بناء ما تهدّم ولوضع بلادهم على سكة التعافي الاقتصادي والمالي والنقدي، كما على سكة #الإصلاح والمتنوّع الذي من دونه لن تقوم دولة ولا مؤسسات إذ أن #الفساد المنتشر في أوساط الطبقات السياسية والشعبية كما في المؤسسات العامة والخاصة على تنوّعها هو بالنسبة إليها كلها إعدامٌ لممارسي الفساد ولحُماته وللشركاء فيه. وهذا أمرٌ لن يقبلوه وسيفعلون المستحيل لإحباط أي محاولة إصلاحية إذا تمكّنوا من ذلك. في زيارته تلك تحدّث ماكرون عن عقدٍ لبناني جديد. وفي اجتماعه بـ”الأمراء” السبعة لطوائف لبنان ومذاهبه استبدل العقد بحكومة مَهمَّة تضمّ اختصاصيين مستقلين تكون مهمتها الإصلاح. على هذا الأساس اختير السفير مصطفى أديب لتأليفها، لكنه أخفق في ذلك أو بالأحرى فشّله الأمراء المشار إليهم كما الطبقة الحاكمة والمنظومة السياسية على تنوّعهما. كلّف بدلاً منه الرئيس سعد الحريري التأليف. لكنه أخفق في ذلك على الأقل حتى الآن رغم مرور أشهر على تكليفه. وأخفق معه ماكرون أيضاً إذ لم يعد يمانع في حكومة لبنانية مختلفة عن التي اقترحها في البداية، رغم علمه أنها لن تستطيع أن تنفّذ الإصلاح المطلوب وأن تقضي على الفساد أو على الأقل أن تحدّ منه.لماذا تراجع رئيس فرنسا عن اقتراحاته الأولى التي نظر إليها عامّة اللبنانيين وخصوصاً “ثوار” 17 تشرين الأول 2019 في شيء من الارتياح. السبب الأول هو عدم جديّة قادة اللبنانيين أي أمرائهم السبعة ومَن خلفهم وتالياً رفضهم عملياً أي إصلاح حرصاً على مواقعهم السلطوية وعلى المكاسب غير المشروعة التي جنوها جرّاء استغلالهم مرافق الدولة من أجل مراكمة المال والأطيان والعقارات. هناك سبب آخر وربما أكثر جعل ماكرون يتغاضى عن الإساءة التي وجهها إليه قادة شعوب لبنان كلّهم يوم “استغشموه” وغشّوه وأوحوا له باستعدادهم لتنفيذ أجندته اللبنانية الإصلاحية في حين كانوا يضمرون عكس ذلك تماماً. كما جعله ينسى أنه ووزير خارجيته لودريان بهدلاهم في تصريحات عدّة لهما نشرتها وسائل الإعلام في العالم كله. والسبب الآخر هذا هو في الواقع سببان. الأول رغبة ماكرون في الإفادة من نجاح ما في لبنان لتعزيز وضعه الشعبي داخل بلاده قبل دخولها مع الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولا سيما بعدما لاقت سياسته الداخلية اعتراضات كبيرة تمّ التعبير عنها بتظاهرات شعبية عنيفة أحياناً استمرت مدّة طويلة نسبياً. ذلك أن للبنان موقعاً في فرنسا بل في قلوب أبنائها من زمان. أما السبب الثاني فهو الخلاف الناشب بين فرنسا ماكرون وتركيا رجب طيب أردوغان جرّاء طموحات الثاني الى السيطرة على بعض شرقي البحر المتوسط وإقدامه على تحدي اليونان وقبرص، والإثنتان عضوان في الاتحاد الأوروبي. وهذا أمرٌ لا يمكن التساهل فيه لأنه يقرّب الخطر التركي “الإسلامي” على القارة العجوز، ولا سيما بعدما بالغ الثاني في التلويح باستعمال “الإرهابيين الإسلاميين” الذين تسلّلوا الى أوروبا مع موجات اللاجئين إليها من الدول العربية، كما في “تثوير” اللاجئين أنفسهم ضدها.  في هذا المجال تشير المعلومات المتوافرة عند جهات أجنبية عليمة الى أن رئيس فرنسا يسعى الى العمل مع الإدارة الأميركية الجديدة وتحديداً رئيسها جو #بايدن أولاً لتسهيل تأليف حكومة لبنانية تنهي الفراغ القاتل فيه. يعني ذلك إقناعه بأن يكون “واقعياً” أي أن يقبل اشتراك “حزب الله” فيها. وهو أمرٌ كانت إدارة سلفه ترامب ترفضه علانية وفي اجتماعات المحافل المقفلة. وهو ربما ينجح في ذلك لأن بايدن وفي خطابه الأول من وزارة الخارجية تحدّث عن الدول المنافسة لبلاده أو التي تشكّل تهديداً وجودياً لها مثل روسيا وخطراً اقتصادياً كبيراً وإقليمياً عليها مثل الصين. تحدّث أيضاً عن الإرهاب، وشدّد على ضرورة احترام حقوق الإنسان. حتى أنه “دقّ” بحليفة أميركا المزمنة أي السعودية عندما دعاها الى إنهاء حرب اليمن وأكد في الوقت نفسه علاقة بلاده الممتازة معها واستمرار حمايتها لها. لكنه لم يأتِ على سيرة إيران “الإرهابية” في نظر أميركيين كثيرين وجهات أوروبية وإسلامية عدّة لذا فإن رئيس فرنسا قد يستخدم سكوت بايدن عن إيران لحرصه على خلق أجواء تساعد على بدء مفاوضات معها تزيل تهديدها التقليدي والباليستي والنووي للعالم أو على الأقل للشرق الأوسط، لإقناعه بالتغاضي أيضاً عن تمثيل “حزب الله” في الحكومة اللبنانية الجديدة إذا رأت النور. تشير المعلومات نفسها ثانياً الى أن رئيس فرنسا متمسّك بدور لها في شرق المتوسط، ومقتنعٌ بأن نجاح ذلك يقتضي وجود قاعدة عسكرية لها فيه. المكان الطبيعي للقاعدة هو لبنان الذي تربطه علاقات قديمة جداً معها. لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل يُجمع اللبنانيون على استضافة قاعدة كهذه على أرضهم. أم يرفضون أيّ وجود عسكري أجنبي في لبنان؟ أم يختلفون كالعادة بحيث يقبل بعضهم ذلك ويرفضه بعضهم الآخر؟ علماً أن المشكلة ليست هنا في رأي الجهات الأجنبية العليمة نفسها، بل هي في الولايات المتحدة. ويعبّر عنها السؤال الآتي: هل تقبل قاعدةً عسكرية فرنسية في لبنان؟ الجواب الأكثر ترجيحاً هو كلا. ذلك أن هذه الدولة الأقوى في العالم حتى الآن على الأقل لن تقبل قاعدة فرنسية في لبنان، لأن أحد أهدافها في شرق المتوسط إقامة قاعدة عسكرية لها فيه. والكثيرون من اللبنانيين والأجانب والعرب وغيرهم يعرفون ذلك. طبعاً قد يستبعد البعض في المنطقة ذلك، وقد يرفض بعضهم الآخر عسكراً أميركياً في لبنان ويهدّد بمواجهتهم. وهذا أمرٌ محتمل. لكن المنطق يشير الى أن أميركا كما غيرها لن تقيم قاعدةً عسكرية في لبنان إلا بعد دخول المنطقة مرحلة تطبيق نظام إقليمي جديد اتُفق على جوهره وإن لم يُعلن ذلك رسمياً. ذلك أن وجود القاعدة يحتاج الى موافقات ثلاث إقليمية. الأولى إسرائيلية وهي موجودة، والثانية عربية، وهي موجودة، أما الثالثة فإيرانية ووجودها يتوقّف على توصّل طهران وواشنطن الى عودة الاتفاق النووي وإن معدلاً. ولا يعني ذلك أن روسيا لا كلمة لها في هذا الموضوع. لكنها لا تستطيع معارضته لأن لها قاعدتين عسكريتين أو ثلاث في سوريا، ولأنها لا بد أن تكون صاحبة دورٍ ما أو وجود في أي نظام إقليمي جديد. 

sarkis.naoum@annahar.com.lb