سركيس نعوم
النهار
20072018
للعقدة السُنيّة التي تحول دون تأليف “حكومة العهد الأولى”، طبعاً إضافة إلى العقد الأخرى، جانبان داخلي وإقليمي. في الداخلي بدا قبل مدّة أن خشية السُنّة عموماً من استيلاء رئيس الجمهوريّة العماد عون، الذي قلّص “اتفاق الطائف” صلاحيّاته، على صلاحيّات رئاسة الحكومة بمساعدة حليفه الشيعي القوي، بدا أن هذه الخشية تتعاظم. فهو يتصرّف كأنّه لا يزال رئيساً للسلطة التنفيذيّة أو شريكاً فيها، في حين أن الدستور المنبثق عن “طائف” 1989 حصرها بمجلس الوزراء مجتمعاً الذي يترأّسه سُنّي. وهو دستوريّاً حكم ولا يصوّت في مجلس الوزراء، ورغم ذلك فإنّه يصرّ على أن يتمثّل فيه بحصّة وزاريّة وازنة يمكن أن تُشكّل مع حليفه الشيعي الأقوى و”ثنائيّته” ثلثاً ضامناً أي مُعطِّلاً. كما يمكن أن تُشكِّل مع وزراء “التيّار الوطني الحر” الذي أسّس ثلثاً كهذا يمكن أن ينضم إليه الوزراء السُنّة أو حتّى وزراء مسيحيّين آخرين رغم الخصومة المُزمنة معهم. ودستوريّاً يتعاون معه رئيس الحكومة المُكلّف لتأليف الحكومة لكن هذا الحق لا يمكن التوسّع فيه بحيث يصبح هو من يُشكّل الحكومة بوصفه “الرئيس القوي”، رغم أن قوّته لم يستمدّها من الرئاسة بل من “حزب الله” الذي عطّل الرئاسة سنوات من أجل إيصاله قويّاً إلى قصر بعبدا، ولكن ليس من أجل تمكينه من الاستقواء عليه ولاحقاً على كل الشعوب اللبنانيّة. والرئيس عون لا يستطيع دستوريّاً نزع “التكليف” من الرئيس سعد الحريري. وينفي لزوّاره أنّه يحاول ذلك. لكن القانونيّين القريبين منه أو العاملين معه يعدّون له الدراسات والفتاوى التي تسمح له بذلك. أمّا المؤيّدون له على العمياني فإنّهم يتحدّثون عن دفع الرئيس المُكلّف إلى الاعتذار بوسائل عدّة سياسيّة ونيابيّة وربّما شعبيّة. علماً أن من شأن ذلك إعادة الصراع إلى لبنان، بل الحروب التي لم تنتهِ إلّا رسميّاً عام 1990، إلى المربّع الأوّل أي المربّع المسيحي – الإسلامي مع استمرار الصراع السُنّي – الشيعي الذي بدأ فعليّاً عام 2005. ولعلّ أكثر ما يُقلق الرئيس المكلّف والسُنّة عموماً هو عودة رئيس الحكومة “باش كاتب” كما كان أيّام ما قبل “الطائف”، ولا سيّما إذا كانت حصّته الوزاريّة السُنيّة ضعيفة وحصص “الشعوب” الأخرى قويّة بتمثيلها وبتحالفات بعضها. ولعلّ هذا ما دفع رؤساء الحكومة إلى الاجتماع قبل أسابيع قليلة. إذ كان ردّاً على بيان صدر في حينه عن رئاسة الجمهوريّة وتحدّث عن صلاحيّاته في المشاركة في تشكيل الحكومة، وعن أعراف اعتبرها ثابتة رغم انّها ليست كذلك تسمح له بالتوسّع في هذا الأمر. وبدأ الحديث في أوساط الشارع السياسي عن أن الرئيس عون يعمل لتكريس أعراف جديدة تُلغي الطائف. وأثار ذلك سؤالاً في الأوساط السُنيّة عن مدى قبول سائر المسلمين عودة الرئاسة المسيحيّة إلى قوّة غير مضبوطة وغير منضبطة، ولا سيّما في ظلّ أوضاع إقليميّة مُتفجّرة وتحرّكات دوليّة تجاهها توحي بنظام جديد لا يهتمّ كثيراً بوحدة الأوطان والدول وشعوبها.
ماذا عن الجانب الخارجي أو الإقليمي للعقدة السُنيّة؟
هناك شبه اتفاق بين المُتابعين الموضوعين للتدخّل والدور الإقليميّين في شؤون لبنان على أنه صار ساحة للمُتصارعين في المنطقة أي إيران الإسلاميّة والعربيّة السعوديّة، تماماً مثلما كان لسوريا الأسد خلال العقود الماضية وبعدها لايران. ويعني ذلك أن ما يهمّ الثانية هو تأمين مصالحها من خلال تصارع الحلفاء اللبنانيّين للدول الثلاث سياسيّاً واقتصاديّاً وأمنيّاً وحربيّاً. لكن الفارق بين اليوم و”الأمس” هو أن السعوديّة كانت تعطف على لبنان، وتساعده كما كانت تنكفئ عنه إذا انتصر أخصامها فيه أو تنسحب منه في انتظار العودة إليه لاحقاً. أمّا اليوم فإن عطفها عليه وعلى حلفائها قد غاب ومعه المساعدة التي هم بأمسّ الحاجة إليها، وحلّت مكانه مطالبتهم بالتضحية من أجلها ومن أجلهم بكل اللّازم للفوز. أما إيران وقبلها سوريا فإنّهما استخدما حلفاءهما ولا يزالان وأعداءهما أيضاً. لكنّهما كانا قادرين على حمايتهم عند الحاجة ووقت الضيق وعلى التعويض عليهم بالسلطة والقوّة عند الانتصار، ويظهر ذلك الآن في وضوح تام. وذلك لا تبدو السعودية قادرة عليه. فالرئيس المُكلّف لم يسترجع بعد العطف السعودي الكامل والمساعدة رغم ما قيل عن “معونة” قدّمت له في أثناء الانتخابات. والدليل أنّه لم يتمكّن من مقابلة وليّ العهد محمد بن سلمان يوم زار الرياض في العشر الأواخر من رمضان المبارك. والسبب أنّه كان في جدّة. علماً أن الحريري وبطائرته الخاصّة كان يمكن أن يتوجّه إليها من أجل الاجتماع. واستُعيض عن ذلك بلقاء له مع وزير الداخليّة حفيد وزيرها السابق نايف بن عبد العزيز. فضلاً عن أنّ دعوة وزير الداخليّة نهاد المشنوق إلى الرياض رسميّاً تثير تساؤلات ولا سيّما في ظل “التردّي” في العلاقات بين النائبين البيروتيّين، فهل هناك لعب على التناقضات أم ماذا؟ أم هناك ضغط على الرئيس المُكلّف للتشدّد وعدم الرضوخ لمطالب عون وحليفه “حزب الله” كما تعتقد الرياض، ولبذل الجهد لإحياء 14 آذار ولتمثيل “القوّات” بقوّة في الحكومة باعتبارها “رأس حربتها” في لبنان اليوم؟ طبعاً لا أجوبة عند أحد على ذلك. لكن “الخبثاء” يقولون أن المسيحي الماروني لا يستطيع أن يبقى رأس حربة للسعوديّة وحتى لغيرها. أمّا إيران فهي رغم متاعبها الأميركيّة والدوليّة والعراقيّة حديثاً والسوريّة – الاسرائيليّة لا تزال عبر “حزب الله” قويّة في لبنان، وقادرة على توظيف كل تناقضاته بوحدة الشعب” المؤيّد لها وحلفائه. لكن عليها الانتباه إذ أن إشارات الاختلاف داخله ومع “الشعوب” الأخرى بدأت تظهر. وقد يكون الفساد وغياب مقوّمات الحياة عن شعب لبنان بداية مؤشّر إلى احتمال تكوّن “تمرّد” يشبه “عصيانات” العراق.
sarkis.naoum@annahar.com.lb