سعد الياس
القدس العربي
25072021
يسود اعتقاد بأن حزب الله هو من يقف وراء إطلاق صاروخين لبعث رسالة أمنية إلى إسرائيل ومن خلفها رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية تتعلّق بمفاوضات فيينا.
بيروت-»القدس العربي»: فيما العين على موضوع تكليف رئيس جديد بتشكيل الحكومة في لبنان وما يلي هذا التكليف على صعيد التأليف، إلا أن التطورات الأمنية الخطيرة التي شهدها الأسبوع المنصرم تنذر بمزيد من التصعيد على جبهة إسرائيل حزب الله. وقد تمثّلت هذه التطورات بداية بإطلاق صاروخين من جنوب لبنان في إتجاه فلسطين المحتلة ورد جيش الاحتلال الإسرائيلي بـ 12 قذيفة مدفعية، كما تمثّلت بشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على مدى يومين على نقاط عسكرية ومستودعات أسلحة تابعة لحزب الله في القصير وحمص.
وهذه هي المرة الأولى التي تنطلق فيها صواريخ في إتجاه شمال فلسطين المحتلة منذ العدوان الإسرائيلي على غزّة في شهر أيار/مايو الفائت، وإذا كانت الشكوك ذهبت في تلك الفترة نحو فصائل فلسطينية بالوقوف وراء إطلاق الصاريخ تضامناً مع غزّة والقدس، فإن الأمر إختلف هذه المرة ولم تذهب الشكوك في اتجاه فصائل فلسطينية بل ساد اعتقاد بأن حزب الله هو من يقف بطريقة أو بأخرى وراء إطلاق هذين الصاروخين لبعث رسالة أمنية إلى إسرائيل ومن خلفها رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية تتعلّق بمفاوضات فيينا.
وهذا ما يفسّر قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بشنّ غارات قتالية على مدى يومين على مواقع عسكرية للحزب داخل الأراضي السورية أو على الحدود اللبنانية السورية، وهذا ما يفسّر أيضاً قيام الرئيس الأمريكي جو بايدن بتمديد حال الطوارئ الوطنية تجاه لبنان، واعتبار البيت الأبيض أن «بعض الأنشطة مثل عمليات نقل الأسلحة المستمرة من إيران إلى حزب الله، والتي تشمل أنظمة متطورة، تعمل على تقويض السيادة اللبنانية، وتساهم في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، وتستمر في تشكيل تهديد غير عادي للأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة».
في غضون ذلك، لم يصدر عن حزب الله بيان مركزي لا حول إطلاق الصاروخين من جنوب لبنان ولا حول الغارات الإسرائيلية على مواقعه، بل اكتفى الحزب بإصدار بيان عن قيادة منطقة جبل لبنان والشمال دان فيه «انتهاك الطائرات الصهيونية مجدداً السيادة اللبنانية وقصف الأراضي السورية عبر أجوائنا المستباحة في ظل صمت المنظمات الدولية ودعاة السيادة والاستقلال» وأبدى الحزب تعاطفه مع بلدتي لحفد في قضاء جبيل والمجدل في قضاء الكورة اللتين سقط فيهما شظايا صواريخ، وقال «إننا في منطقة جبل لبنان والشمال في حزب الله نقف إلى جانب أهلنا في بلدة لحفد الجبيلية وكل البلدات التي تعرّضت لأضرار نتيجة الاعتداء الصهيوني الأخير. ونسأل الله العلي القدير أن يحمي بلدنا لبنان من الاعتداءات الصهيونية التي لا يمكن الوقوف في وجهها إلا عبر المقاومة».
إلا أن بيان حزب الله لم يلقَ آذاناً صاغية في الشارع المسيحي الذي يطالب رئيس كنيسته المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بحياد لبنان عن الصراعات والمحاور، فكيف إذا بدأت شظايا هذا الصراع تصيب المناطق المسيحية في جبل لبنان؟
وقد حصلت هذه الحادثة بالتزامن مع إطلاق سيّد بكركي في تموز/يوليو من العام الماضي نداءه لتحرير الشرعية وإعلان حياد لبنان. وستدفع به هذه الحادثة بما فيها استخدام الأجواء اللبنانية للقصف على الأراضي السورية إلى التمسّك أكثر بتحييد لبنان. فيما نائب جبيل السابق فارس سعيد انتقد ما سمّاه «حنان» حزب الله على لحفد، ورأى أن هذا الحنان «استفزّ كل لبناني وتحوّل إلى وقاحة موصوفة» وأضاف «لا تضعوا لبنان تحت أقدام الفيلة ولا تحنّوا على أحد». وأضاف «بعد حادثة لحفد التي قد تتكرّر مع استمرار الصراع في المنطقة وعليها، فإن المطالبة بنشر قوات دولية لمؤازرة الجيش حق مشروع لتطبيق القرارات الدولية 1559 و1701 و1680 وتدويل لبنان إلى حين نهاية الصراع».
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت حذّر من أن «من يمسً بإسرائيل سيدفع ثمناً باهظاً» في وقت حمّل وزير دفاعه بيني غانتس «الدولة اللبنانية المسؤولية الكاملة عن إطلاق الصاروخين من جنوب لبنان» مشيراً إلى «أن إسرائيل لن تسمح للأزمة السياسية والاقتصادية الاجتماعية في لبنان أن تشكّل أي تهديد على أمنها».
أكثر من ذلك، وجّه سفير إسرائيل لدى الأمم الأمم المتحدة جلعاد إردان رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وأعضاء مجلس الأمن الدولي حثّهم فيها على إدانة ميليشيا حزب الله، مستشهداً في رسالته بإطلاق حزب الله صواريخ من لبنان على إسرائيل خلال التصعيد الأخير مع حركة حماس ومرة أخرى في وقت سابق من هذا الأسبوع. ولفت السفير الإسرائيلي إلى أن هذه الحوادث تقدم مثالاً آخر على الوضع المضطرب داخل منطقة عمليات اليونيفيل وتشكل دليلاً واضحاً على وجود أسلحة وذخائر غير مصرّح بها في المنطقة.
كل هذه الوقائع تؤشر إلى أن الوضع بين إسرائيل وحزب الله دقيق للغاية وهو قد ينفجر في أي لحظة يتحيّنها العدو الإسرائيلي، على الرغم من إنكفاء الحزب عن الردّ على الغارات التي تستهدفه وعدم تنفيذ أمينه العام حسن نصرالله تهديداته في خطاب سابق بالرد على أي اعتداءات في إسرائيل وليس في مزارع شبعا المحتلة، مخاطباً سكان شمال إسرائيل «لا ترتاحوا ولا تطمئنوا».
ولعلّ السيد نصرالله يدرك أن أي مواجهة مع إسرائيل ستكون مكلفة وباهظة جداً على لبنان والبيئة الحاضنة للمقاومة في ظل الأزمات الخانقة اقتصادياً ومالياً ومعيشياً وعدم استعداد أي دولة عربية لتقديم المساعدات وإعادة إلاعمار كما حصل بعد عدوان تموز، كما يدرك أن ظروف حرب تموز 2006 تختلف عن الظروف الراهنة مع تصاعد النقمة في الداخل اللبناني على سلاح الحزب وعدم قدرة التيار الوطني الحر بتأمين الغطاء المسيحي لأي حرب جديدة.