
- سركيس نعوم
- 17 تموز 2020 | 00:06
- النهار

السياسيّون اللبنانيّون ولا سيّما منهم من كانوا مسؤولين ولهم علاقات جديّة مع الدول الكبرى المعنيّة والمُهتمّة ببلادهم فيها الكثير من الثقة المُتبادلة والصراحة والابتعاد عن الغشّ والتشاطر والرغبة في استشراف الوضعَيْن الإقليمي والدولي لمعرفة الاتجاه الذي سيسلكه الوضع اللبناني البادئ انهياره على كل صعيد، هؤلاء السياسيّون يلتقون أكثر من مرّة في السنة مع مسؤولين كبار في الدول المُشار إليها يتبادلون خلالها التحليلات والتوقُّعات وأحياناً المعلومات. أحد هؤلاء التقى منذ مدّة غير بعيدة مسؤولاً فرنسيّاً مُهمّاً فسأله الأخير بعد السلام والتحيّة رأيه في وضع لبنان المأزوم إلى أقصى درجة فكان جوابه الآتي: “لنشبّه لبنان بسيارة نقل ركّاب كبيرة، أي “بوسطة” باللّغة العاميّة استعملها مالكها أو الذين تعاقبوا على ملكيّتها مدّة طويلة جدّاً من دون أن يُبادروا إلى إجراء صيانة دوريّة لها، الأمر الذي جعلها مهلهلة وفي حاجة دائمة إلى “تصليح” وقطع غيار غير مُتوافرة لقِدَمِها كي تصمد إلى أن تنقل إلى مستودعات “الكسر”. كما تعاقب عليها سائقون كثيرون بعضهم كان بارعاً في القيادة وبعضهم الآخر كان جيّداً في العناية بها وبعضهم الأخير غير خبير لا بالقيادة، ولا بالميكانيك، وأثَرُ ذلك على إدائها معروف. هذه “البوسطة” كانت تنقل ركّاباً مُكتملي العدد من منطقة جرديّة إلى الساحل. بعد مرور وقت غير طويل شعر سائقها أن هناك خللاً فيها (تقطيش مثلاً) فأبطأ سرعتها لكن ذلك أشاع القلق في نفوس الركّاب. وبعد مرور وقت آخر بدأ يشعر أن “الفرامل” فيها لم تعد تلبّيه كما يجب. فأوقفها إلى جانب الطريق وحاول استكشاف ما يجري ربّما لإصلاحه. لكنّه فشل في ذلك. وبعد مرور وقت ثالث عجز عن تخفيف سرعته التي زادت بسبب “الفرامل” فعمل المستحيل لإيقافها، ونجح في ذلك بعدما صدمها بـ”الجبل” الذي على يمينه لتخفيف سرعتها ثم وقفت وحدها بعد اصطدامها بصخرة كبيرة إلى جانب الطريق كما بشجرة مُعمّرة. طبعاً خاف الركّاب لكن السائق خاف أكثر فغادر “البوسطة”. هنا قام راكب يعرف القيادة أو ربّما مارسها فـ”حرتق” في محرِّكها وكوابحها ثم اتّكل على الله وتابع السير وفي أصعب مرحلة “نزول”، ففقد السيطرة عليها و”تدهورت” فوصلت إلى الوادي بركّاب بعضهم مُصاب بجراح طفيفة وبعضهم الآخر بجراح خطيرة وبعضهم الثالث بدا أنّه انتقل إلى جوار ربّه أو أنّه في طريقه إليه”. هنا سأله المسؤول الفرنسي: “ماذا حصل بعد ذلك؟”. أجابه السياسي اللبناني: “كان أمام مالك البوسطة حلّان. الأوّل إخراج حُطام “البوسطة” في الوادي وإرسالها إلى “الكاراج” لـ”فحصها” ومعرفة إذا كان تصليحها مُمكناً. والتصليح في حالتها يعني إعادة صنعها من جديد أي بلغة أبناء المهنة: حدادة وبويا ومُحرّك جديد ودواليب أي تغيير كل شيء. طبعاً نادراً ما يقول صاحب كاراج أنّ التصليح مستحيل، وقليلاً ما يقول أن نجاحه لا يعني أن “البوسطة” عادت جديدة مئة في المئة أي “خْلَنْج”. ولذلك على صاحبها أن يُقرِّر سواء جرّاء نصيحة صاحب “الكاراج” أو جرّاء إحساسه وعقله إمّا التصليح وإمّا إرسالها إلى “الكسر” وشراء واحدة جديدة بدلاً منها. فإذا اعتمد إعادتها إلى السير بعد إجراء اللازم لها يكون وضع نفسه وركّابها في حال دائمة من الخوف. أمّا إذا قرّر اقتناء واحدة جديدة فإنّه لن يلجأ إلى شراء “بوسطة” جديدة كبيرة لأسباب عدّة منها سعرها الباهظ ومنها ضيق طرقات لبنان وعدم حصولها على العناية اللازمة. كما لن يلجأ إلى ترك المهنة لأنّ عنده زبائن. وسائقها يكون أمام بديل واحد هو شراء ثمانية “ميني فان” أو “ميكروباص” تكفي لنقل زبائنه. لكنّ السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل يشتري ميني فانا جديدة أو مستعملة؟ ولبنان اليوم في حال كهذه فدولته ونظامه سقطا بل ماتا وشبعا دفناً، وصار في حاجة إلى دولة جديدة وصيغة جديدة ونظاماً جديداً قد تكون الفيديرالية أو اللامركزيّة الفضفافة (8 ميني فان) واحدة منها. علماً أنّ ذلك لا يعني حلّ مشكلة لبنان لأنّ الميني فان الـ”مستعملة” تكون قابلة للتعطُّل أحياناً كثيرة على رغم تصليحها في استمرار. وعلماً أيضاً أن الجديدة قد تتعطَّل في سرعة بسبب الركّاب والسائقين وقلّة الإدراك وأحياناً الطمع”.
إنطلاقاً من ذلك يتساءل المسؤولون المعنيّون من الأجانب أمام أصدقائهم من اللبنانيّين عن الوضع الحالي للبنان ومستقبله. والجواب عن هذا التساؤل هو أن محاولة “خنق” “حزب الله” ستستمرّ من قبل الولايات المتّحدة وحلفائها من العرب وعدوّتهم إسرائيل أو على الأقلّ إرهاقه بقوّة. طبعاً تُستبعد هنا الحرب الأهليّة إذ يكفي لتحقيق الهدف استشراء الفوضى على أنواعها وإن أسالت دماء على نحو مُتقطِّع والفقر وانحلال الدولة. وعندما يحين الوقت، علماً أنّه قد يكون طويلاً، اي عندما يُستنزف “حزب الله” ويصل إلى مقربة من الاختناق تستدرجه إسرائيل إلى حرب أو يجد نفسه هو مُضطرّاً إلى استدراجها إليها لإعادة جمع البلاد وشعبه وحتّى قسماً من أعدائه في مواجهتها كونها عدوّة الجميع. وستكون إذا حصلت حرباً طاحنة وأقسى بكثير من حرب تموز 2006 وأطول من حيث المدّة إذ أنّ الـ 33 يوماً لحرب 2006 قد تتضاعف، وأكثر ضرراً وبما لا يُقاس بشراً وحجراً ومؤسَّسات دولة وإن فاشلة. وبذلك تتخلّص إسرائيل في اعتقادها من الصواريخ الدقيقة والمُوجَّهة وغير الدقيقة. أمّا الأسلحة الأخرى فلا تهمّها كثيراً.
هل حرب كهذه مُمكنة؟ الكثيرون في الخارج والمحيط العربي لا يستبعدونها. والمراقبون الجديّون يعتقدون أن “الحزب” لن يستدرج اسرائيل إليها، وأن إيران لا تريدها الآن وأن حصولها أو عدم حصولها ينتظر انتخابات الرئاسة في أميركا والفائز فيها وسياسته وموقفه حيال إيران. وهم يعتقدون أيضاً أن حرباً كالمُشار إليها تُضعف “حزب الله” لكن شعبه ومُقاتليه سيقفون وسيعودون إلى دور داخلي قويّ، لكنّها تُنهي أعداءه في لبنان أو تضعفهم إلى حدٍّ كبير، علماً أنهم أساساً ضُعفاء.
sarkis.naoum@annahar.com.lb