روزيت فاضل
25072017
النهار
إذا كنا نخجل من المجاهرة بأنّ الكآبة تلازم حياتنا، فالوقائع التاريخية أشارت إلى أن ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، كان يعاني الكآبة التي لم يستطع الفكاك منها وكان يسمّيها “كلبي الأسود”. تطول لائحة المشاهير، الذين عانوا الاكتئاب في العالم، ومنهم الكاتب العالمي إرنست همنغواي، الرسام العالمي فان غوغ وسواهما.
ما هو واقع لبنان، وكيف يتعاطى المواطنون فيه مع الكآبة، وهل يواجهون مرضهم بعد فوات الأوان؟
في عام 2014، أصدرت جمعية “غالوب” ، وهي شركة أميركية تعدّ مجموعة بحوث متعلقة بإدارة الأعمال والخدمات في المجتمع، دراسة ميدانية أظهرت أن 47 في المئة من اللبنانيين يعانون حالات #اكتئاب عصبي. ورأت الدراسة أنّ لبنان يعدّ من بين أكثر بلدان العالم استهلاكًا لمهدئات الأعصاب، إذ يعاني نصف سكّانه تقريباً حالات اكتئاب عصبي، وهم يقبلون على شراء الأدوية المهدئة التي وصل عددها إلى 13 مليوناً و600 ألف علبة خلال عام واحد.
حذّر الأستاذ المساعد في دائرة الطبّ النفسي في الجامعة الأميركية، الدكتور جوزف خوري، اللبنانيين من خطر تناول الأدوية المضادّة للكآبة دون استشارة طبيب نفسي ومتابعة تطوّر الحالة معه. كذلك حذّر من عوائق تناول هذه الأدوية بنمط عشوائي، لأنّ لها تأثيراً سلبياً على صحّة الإنسان ومنها ارتفاع في ضغط الدم، السمنة وكثرة النوم وسواها من العوارض.
قياس مستوى الكآبة
وشدد على دور الوصفة الطبّية الموحّدة، التي تم اعتمادها في الأعوام الأخيرة، مشيراً “إلى أن الأدوية المضادّة للكآبة تتضمن مضادّاً للمزاج، مضادّاً للزهام ومهدئات عدة على غرار
“اكزاناكس” أو “بروزاك”. وحدّد أن عوارض الإصابة بالكآبة تظهر عند أي مريض يعاني لمدة تتعدى الـ 6 أشهر عوارض عدّة مثل شعور بالتعاسة، التعب الشديد، التوتر وقلة النوم وتوتر بالمزاج وسواها. ورأى أنّ “الإنسان، الذي يملك حساسية مفرطة جداً، هو عرضة للكآبة” مشيراً إلى أن الدراسات العالمية “أشارت إلى أن النساء أكثر عرضة للكآبة من الرجال لأسباب عدة تتعلق بالهرمونات النسائية وضغط الأمومة والضغط الاجتماعي الذي تعيشه النساء عموماً”.
عن خطر إدمان أي إنسان كئيب على الانتحار قال: “الكآبة مرض من الأمراض النفسية، وتؤدي إلى الانتحار في حالات مرضية قصوى جداً. يمكن لشخص يعاني تعباً مزمناً أن يفضّل الموت على نمط عيشه المفعم بالتعاسة. لكن الكآبة ليست مدخلاً للجنون أي الهلوسة رغم أنها ترتطب بأمراض عدّة إذا لم يتم يعالجها أطباء متخصّصون”.
وأسف خوري “لإهمال اللبنانيين عوارض هذا المرض، وميلهم إلى مراجعة الطبيب النفسي بعد مرور أعوام طويلة على إصابتهم بالكآبة”. وتمنى لو “يبتعد المواطنون عن شراء الأدوية من السوق السوداء لأنّ تداعياتها الصحّية خطِرة جداً على الإنسان”. وأمل أن “تبادر كل من وزارة الصحّة العامّة ونقابتي الصيدلة والأطباء إلى إطلاق بحوث علمية وطنية لقياس مستوى الكآبة في لبنان”، مشيراً إلى “ضرورة متابعة متخصصين لفئة المراهقين بعض حالات الكآبة عندهم “.
أما نقيب الأطباء الدكتور ريمون الصايغ فقد أكد أنّ القانون يفرض وصف هذه الأدوية المهدئة وفقاً لوصفة طبّية موحّدة، مشيراً إلى أنّ “على الصيدلي أن يحصي الأدوية التي باعها في سجلّ طبّي”. وأكد أننا “نفتقر إلى جهاز تفتيش للتدقيق في هذه الأمور”، معتبراً أننا “نعمل على توعية الناس إلى ضرورة التقيّد بوصفة طبّية موحّدة للأدوية الخاصّة بكل حالة”. ورأى أنه “يمكن اللجوء إلى طبيب العائلة لوصف أدوية مهدئة لأي فرد منها، شرط أن تكون له الكفاية الطبّية المطلوبة لوصف هذا الدواء ومتابعة مراحل العلاج”.
مطاردة الشبيحة!
أما النائب السابق إسماعيل سكرية فقد أشار إلى أنّ اللبنانيين يستهلكون أدوية مهدئة بنسبة عالية تفوق 3 أضعاف المعدّل المحدّد من منظمة الصحّة العالمية. وأسف لأنّ بعض اللبنانيين يستهلكون الدواء بطريقة عشوائية، مشيراً إلى أنّ هذا يعود لغياب رقابة حقيقية من الجهات الرسمية في لبنان. وعن رأيه في السوق السوداء لبيع الأدوية في لبنان قال: “هذا واقع موجود ويرتبط بتجّار يحظون بتغطية سياسية لبيع هذه الأدوية في السوق السوداء”. وردّاً على سؤال عن إمكان توسّع هذه التجارة قال: “هذا أمر ممكن لأن هؤلاء التجّار يتنقلون بسهولة في بيروت ويسلّمون البضاعة إلى أيّ دكان أو زاوية، ما يؤثر سلباً على “ديمومة” بعض الصيدليات. يمكنهم توفير أدوية منتهية الصلاحية في السوق السوداء، وهذا أمر في منتهى الخطورة”.