مَرْبَى الحرير
شربل نجار – هنا لبنان
دخل الإقطاع في منازعات كان المرّ أحلاها.
اللمعيون تقاتلوا ولأنهم على حد النهر مع بيت الخازن صاروا على حد
السكين فتطاعنوا قبل ان يطعن طانيوس شاهين الخازنيين، يدعمه بشير أحمد
اللمعي قائممقام النصارى ، قنصل فرنسا ، عازاريّو مدرسة عينطورة
وبولس مسعد ابن الزّرع الوافر. لبست أمه الطنطور وتحدت شيخات نزَعْنَه عن
رأسها كيدا وصار ابنها بولس بطركا عليهم وعليهن عنوة فجَهل فَوق جهل
الجاهلينَ ، ومنهم من يقول لم…
هكذا كان ولا يزال “الأخذ بالتار” من شيم الرجال! و”الأخذُ بالتار” مهنة
اتقنها الإكليروس وعقال الدروز وزعماء القومات …. فطانيوس شاهين
سعاده ذلك الحدّاد البيطار النّازل من جرد ريفون ،(1) مات والده بالسّم
في فنجان القهوة. قتله الشيخ بشاره جفال الخازن حاكم الزوق وكسروان لأن
والد طانيوس تجرأ ورمى على الشيخ السلام!!!. لم يتعلّم طانيوس من تلك
الجريمة سوى الحقد . ثار على الإقطاع، وجعل الفلاحين يتّحِدون تحت إمرته
للإطاحة بالمشايخ كبارا وصغارا…
في المقلب الآخر وعلى حدِّ وادي الجعماني الجنوبي انهى بيت عماد وآل مزهر
اصدقاء لامارتين وآل جنبلاط ما تبقى من انتصارات معركة عين داره
وكلّفوا آخرين في حاصبيا وراشيا…… فمات من مات وفرّ من فرّ من أولئك
الشهابيين السنّة الذين تجاسروا فانقلبوا الى المسيحيّة!
شرع الإقطاعيون بإفناء بعضهم. و بعد ان طحنتهم رحى الحملة المصرية
نثرتهم مذابحُ الستين زؤانا على الدواوين يديرون متصرفية حُماتها من
الخارج ، اتفاقات وضمانات بست أو سبع ارواح وربما اكثر(2)!!
عن خيلٍ أطربَ الصهيلُ اصحابَه فانتشوا، ترجل حُكمٌ، ومن على
صَهْوة الحرير أسرج حُكْمٌ بديلٌ خيلَه وتسلّط .
عقل شديد
ذهب اقطاع حدّه الأقصى تنافع وتنافر بين بطون وافخاذ وبيع
ارض وحرثِ إناث وجاءت مخوجية تتنافع وقناصل دولٍ ومُدبّرين
ومُريدين ومغرضين من جميع انحاء البلاد.
والفلاحون، امِّيون تحوَّل جلّهم الى فَعَلة وحِرفيين . فلاحون، تراجع مُشغِّلُّهم
ومصدَر رزقهم فذابوا كفص الملح وانقلبوا ذكورا وإناثا” الى فَعَلة في
كراخين الحرير التي عرفت خلاقين حلّ وعرفت طرابيش وشراريب وشَعراً مجدولاً
أو مرسلاً حراً على الأكتاف ونظرات تتعمّق في
مراقبة الخلاقين لتتسرب الى ما يحيط بها من بِيض سيقان وتحرّر فُروج
مغرية بليال ملاح بين الشتول وفي البراري ، تحت صيف الدوالي او على
جمر…. المواقد.
في المتين ورث آل عقل اللمعيين. حَولَ أجران العِماد (4)، تقرّبوا منهم وبمال
الحرير اشتروا اراضيهم وبتحالف مع آل القنطار آلت السلطة الى فوق
حيث ديارهم وهناك استمرت طويلا.
كان العقليون تجارا” وكانوا صناعيين . اقتربوا من الدير فترأسوا الدير تلو
الدير حتى أقاموا مدبيرين و رؤساء على جميعها جيلا بعد جيل.وكان لديهم
من الأزلام والمحاسيب والفَعَلة والفلاحين ما راكم ثروة على ثروة ومالا فوق
مال. اراض وذهبا وأوان وعجميات هدية من السلطان او مقابل مأكول
باعوه في المجاعة الكبرى إبان الحرب الكبرى.
في مجلس الإدارة كانوا مرجعا وركنا وفي المديريّات إداريين بارزين . في
مصر طبّبوا وفي المتنين بنوا وأنْمُوا.
طريق ضهور الشوير من فعلهم وطريق قبيع بزبدين المتين من اعمالهم
وانماء المتن بالماء كان على يد احد كبارهم.
اسمه الكامل حبيب بك عقل والده سعيد والدته جميلة طوبيا من بيت شباب وهو
من مواليد المتين سنة 1889 بحسب احصاء 1921 (4)
(1) من مهنةٍ وضيعة إلى قائد، من عامة الشعب إلى زعيم الشعب، جعل طانيوس شاهين من
نفسه بيكًا وشيخًا، هو الأمّي الذي عمل مْكاريًا ثم بيطريًّا، كوالده شاهين سعادة الذي امتلك
الخيل والبغال، وامتهن البيطرة والحدادة التي اشتهر بها في سوق الزوق، حيث سكن، وحيث
يقول البعض إن طانيوس وُلد، فيما يعتقد البعض الآخر أنه وُلد في ريفون ومات فيها،
بين سنة 1815 و1895.
(2) ضمانات السلطنة وفرنسا وروسيا وبروسيا وبريطانيا والنمسا لإستقلال ذاتي لمتصرفية
جبل لبنان.
(3) كان عقل شديد عرّابا للأمير اسعد بو اللمع يوم عماده في كنيسة مار جرجس المارونية في المتين عام 1835
(4)1921 من احصاء