02-06-2021 | 00:57 المصدر: النهار


من احتفالات “عيد التحرير” عند الحدود الجنوبية (تعبيرية- “أ ف ب”).
يتساءل لبنانيّون كثيرون إذا كان “#حزب الله” يريد فعلاً حكومة في لبنان. إذ هو من جهة يتمسَّك برئيس “تيّار المستقبل” الرئيس المكلّف #سعد الحريري ومن جهة أخرى لا يُمارس الضغط الكافي أو بالأحرى “الإقناع” القادر عليه لحليفيه رئيس الجمهوريّة #ميشال عون ورئيس “التيّار الوطني الحر” النائب #جبران باسيل.
يتساءلون أيضاً إذا كان يتحاشى الضغط الإقناعيّ لعون لمعرفته بطبعه وحدّته وقدرته على رفض ما لا يريد أو ما يعتبره ضارّاً بمصالحه، وفي الوقت نفسه لحرصه على استمرار التحالف معه تلافياً لتكتيل شعوبٍ لبنانيّة ثلاثة من أصل أربعة ضدّه الأمر الذي يُزعجه جدّاً وإن كان لا يؤثِّر فعليّاً على دوره الكبير في الداخل اللبناني. ويتساءل لبنانيّون كثيرون آخرون عن دوافع تحرُّك المُوالين لرئيس سوريا بشّار الأسد من مواطنيهم كما من مواطنيه الذين نزحوا إلى لبنان على دفعات بعد تحوُّل الثورة السوريّة الإصلاحيّة حرباً أهليّة دامية جدّاً في أعقاب سيطرة التنظيمات الإسلاميّة البالغة التطرُّف عليها بمساعدة مهمّة من النظام السوري أملاها على الأرجح تلاقي مصالح بينه وبينها. ويتساءلون أيضاً عن سبب الارتياح الذي بدأ يشعر به الأسد لوضعه في الداخل السوري رغم عدم سيطرته على جغرافيّتها كلّها، ورغم وجود روسيا وإيران الإسلاميّة ووكلائها على الأرض السورية، كما رغم كون القرار الفعليّ فيها لهاتين الدولتين.
هل من أجوبة عن هذه التساؤلات؟ يُحاول المُتابع الدقيق نفسه للحياة السياسيّة في لبنان وأقطابها الخوض في مجال الأجوبة، فيقول أوّلاً أنّ التساؤل المذكور أعلاه حول “حزب الله” وموقفه الفعليّ من الأزمة الحكوميّة مشروع. لكنّه يؤكِّد استناداً إلى معلوماته واتّصالاته أنّ ذلك لا يعني أنّه لا يُريد حكومة في لبنان في الوقت الحاضر. فهو يتمسَّك فعلاً برئيس “المستقبل” رئيساً لها، ورفض منذ البداية ولا يزال يرفض التخلّي عنه رغم معرفته الأكيدة رغبة حليفه الرئيس عون وصهره باسيل في دفعه إلى الاعتذار عن التأليف وتالياً إلى اعتزال السياسة أو على الأقل إلى الابتعاد عنها مدّة قد تطول وقد تقصر. لكنّه أي “الحزب” لا يضغط على الحليف لإزالة العقبات من أمام تأليف الحكومة، وهو يفعل ذلك لأنّه لا يريد أن يُعطي نصراً للحليف جرّاء خشيته أن يوظّفه في مجالات سياسيّة قد لا تكون مُريحة له، كما لأنّه يشعر بخشية ما من هذين الحليفين ولا سيّما في ظلّ محاولة الولايات المتّحدة وحلفائها من العرب استمالتهما بكلّ الإغراءات والضغوط الممكنة. لعلّ ما عزَّز هذه الخشية المباحثات التي أجراها عون وباسيل مع مساعد وزير الخارجيّة الأميركي للشؤون السياسيّة ديفيد هيل في أثناء زيارته لبنان، والارتياح الكبير الذي أبداه الأخير لنتائجها، وتعبيره عنه في وضوح في التقرير الذي أرسله إلى وزارته عن نتائج محادثاته وكان لا يزال في لبنان. طبعاً لم يقتصر سبب ارتياحه على محادثاته مع الحليفين المسيحيّين لـ”الحزب” بل أيضاً على محادثاته مع شريكه في “الثنائيّة” التي تُمثَّل غالبيّة واسعة من الشيعة أي رئيس مجلس النوّاب و”حركة أمل” نبيه برّي. علماً أنّ الاختلاف في هذا المجال بينهما يستحيل أن يتسبَّب بانفصالهما عن بعض أو بتقاتلهما بالشارع لأنّ الصراع المذهبي السُنّي – الشيعي المُحتدم في العالم الإسلامي لا يترك لهما سوى خيار الاستمرار معاً، كما لأنّ إيران الإسلاميّة التي تمون على الاثنين من زمان لن تسمح لهما بذلك، هذا فضلاً عن ميزان القوى العسكريّة المختلّ بين الحليفين اللدودين. أمّا السبب الأساسي لارتياح هيل فانطلق من المحادثات التي أجراها مع الرئيس عون والنائب باسيل والرئيس برّي حول ترسيم الحدود البحريّة اللبنانيّة مع إسرائيل.
أمّا بالنسبة إلى التساؤل عن عودة الأسد إلى التحرّك العلنيّ و”الاستفزازي” لأعدائه في الشارع اللبناني وعن أسبابه فإنّ المُتابع الدقيق نفسه للحياة السياسيّة في لبنان وأقطابها يُجيب عنه بالقول المُستند إلى معلومات جديّة أنّ هدفها أي “العودة” توجيه رسالة إلى أخصامه وأعدائه اللبنانيّين الذين أخرجوه وجيشه من بلادهم بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري بمعاونة حاسمة من أميركا جورج بوش الإبن وفرنسا جاك شيراك الصديق “المخلص” للشهيد المذكور وعاهل السعوديّة الراحل عبدالله بن عبد العزيز. المقصود بالرسالة إفهام هؤلاء أنّ خروج بلاده من لبنان في 26 نيسان 2005 لم يعنِ يوماً أنّه فقد مُرتكزاته الأمنيّة والاستخباريّة على أرضه سوريّة كانت أو لبنانيّة. كما لم يعنِ أنّ حلفائه اللبنانيّين وفي مقدّمهم شيعة “حزب الله” و”حركة أمل” قد طووا صفحتهم مع سوريا بعد خروجها مثلما يفعل عادة لبنانيّون كثيرون. هذا فضلاً عن قدرة الأسد على توظيف ورقة النازحين السوريّين إلى لبنان جرّاء الثورة فالحرب ثمّ الإرهاب لمصلحته وإن جزئيّاً، رغم أنّ غالبيّتهم كانت ضدّه في السياسة وبعضها حارب قوّاته وقوّات حلفائه ولا يزال. طبعاً لا يعني ذلك أنّ الأسد وصل إلى مرحلة السعي الجدّي إلى عودة هؤلاء إلى بلادهم، إذ أنّ مساعي التوصُّل إلى تسوية سياسيّة للحرب والقضيّة السوريّتين لا تزال بعيدة من النجاح. فضلاً عن أنّ أجهزة الأسد ترفض ومن زمان هذه العودة قبل الأوان رغم أنّ الأسد فكَّر في حينه أنّ تسهيل عودة البعض منهم ربّما يمكّنه من تحقيق فوزٍ ساحق في الانتخابات الرئاسيّة (جرت أخيراً).
لكنّه حقَّق رغم بقائهم في لبنان “فوزاً ساحقاً” وفقاً لحساباته وهذا يكفيه. أمّا نازحو بلاده إلى لبنان فإنّ لا خطر من الذين منهم ضدّه وضدّ نظامه عليهما. فهؤلاء يحتاجون في استمرار إلى هويّة وإخراج قيد وقيد ولادة وجواز سفر وأمور كثيرة. وإذا امتنعت سفارتهم في لبنان بقرار من دمشق عن تقديم هذه الخدمات كلّها يصبحون بلا قيد وربّما مكتومي القيد وبلا وطن، إذ أنّ لبنان الدولة المضيفة لا يستطيع تزويدهم ما يُشكِّل تعويضاً عن الذي فقدوه. أكثر ما يُمكنه فعله وهو كثير في ظروفه الصعبة هو تسجيلهم “مكتومي القيد”. وإذا كانوا مشكلة مُعقّدة للبنانيّين بوضعهم الراهن فإنّهم سيصبحون مشكلة أكبر عندما يُصبحون مثل “البدون” في الكويت الذين فقدوا جنسيّات بلدانهم من زمان ويُطالبون بجنسيّتها بعدما أمضوا فيها عقوداً من الزمن وساهموا في نهضتها.
كيف ستكون عودة الأسد إلى لبنان إذا قرّرها، وماذا سيكون تأثيرها على حلفائه فيه وفي مقدّمهم “حزب الله”؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb