عقل العويط
النهار
28082018
كانت عبارة السيد حسن نصرالله، واثقةً وحاسمةً وواضحةً ومختصرةً للغاية: “لا تلعبوا بالنار”. كرّرها بتباطؤٍ منهجيٍّ مقصود، من أجل أن يؤدي التكرار الغاية المنشودة منه. جاء ذلك في الخطاب الذي ألقاه متوجها فيه الى جمهوره في الهرمل قبل يومين، لمناسبة ذكرى التحرير الثاني، ضمن سياق الإشارة إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تتهيأ لإصدار قراراتها “النهائية” في شأن اغتيال رفيق الحريري.
لن أتوقف كثيراً عند لهجة التهديد، التي انطوت عليها العبارة. إذ ليس جديداً أن يستخدم السيّد نصرالله عبارةً أو لهجةً كهاتَين. ففائض القوة لديه، ولدى حزبه ومرجعيته الإيرانية، ومعرفته العميقة بالتعقيدات المحلية والإقليمية والدولية، الحربية والأمنية والسياسية والكيانية والدينية والطائفية والمذهبية، يتيحان له مثل هذا الاستخدام، الذي يلجأ إليه في العادة، عندما يريد توجيه رسالةٍ “فوق العادة” إلى مَن يعنيهم الأمر، في الداخل والخارج.
لن أتوقف كثيراً عند هاتين العبارة واللهجة، ليس تقليلاً لأهميتهما الاستثنائية. ذلك أن لهجة السيّد كانت مخيفةً بالتأكيد. والعبارة مخيفةً أيضاً. كلتاهما، تنبئان بالنار التي لن يتمكن أحدٌ من إطفائها إذا اشتعلت.
على هامش الخطاب، وعبارته، واللهجة، يهمّني أن أتوقّف فقط ومليّاً، لتأكيد الهول اللبناني الذي نتماهى، نحن اللبنانيين، مع صنّاعه، ونؤدي أدوار مريديه وجنوده وأكباش محرقته وضحاياه. كلٌّ بحسب موقعه، وتموقعه.
الميزان ليس متساوي الكفّتين في لبنان. فمَن يملك السلاح، لا يتساوى مع مَن لا يملكه. أستخدم معيار “النسبية”، لأحمّل كلّ مسؤول، كلّ فريق، كلّ حزب، كلّ تيّار، كلّ زعيم، قدْراً من المسؤولية يتناسب والدور الذي يضطلع به في هذه “المهمة” الانتحارية، التي يخضع لبنان و”مواطنوه” للابتزاز فيها.
أكرّر: ليس الكلّ متساوين بالطبع في هذا المجال. مَن يملك السلاح، لا يتساوى مع مَن لا يملكه. ومَن يرتهن لخارجٍ بسلاح، لا يتساوى مع مَن يرتهن لخارجٍ من دون سلاح. كلاهما ممجوجٌ ومرفوض. في طبيعة الحال، مَن يرتهن لخارج، لا يتساوى مع مَن لا يرتهن لخارج.
لكن “ابتزاز لبنان”، لبنان الدولة، لبنان الجمهورية، يحتّم على “حزب” السيد حسن نصرالله مسؤولياتٍ مضاعفة لأنه يملك فائض القوّة. ولأن لا “بيت” له، في حقيقة الأمر وفي نهاية المطاف سوى لبنان.
وحده لبنان الدولة، مستدرَجٌ بقوة الابتزاز والمساومة والتهديد، للولوغ في هذه المعادلة الجهنمية. حيث الكلّ سيجد نفسه ضالعاً فيها، ابتداءً بحرّاس الدستور، وليس انتهاءً بمَن يصادر “جملة المواطنين”، أو يصادر طائفةً أو مذهباً.
الكلّ يلعب بالنار. لعبة النار لا تستثني أحداً. ولن ينجو منها أحد.
أقول للجميع: ليس لكم سوى لبنان. فلا تلعبوا بناره.
لا تلعبوا بنار لبنان: لئلاّ تندلع النار، فتقضي على الجميع في لبنان. عليكم. وعلى الآخرين. وعلى لبنان!