سركيس نعوم
النهار
27102017
المشروع الاقتصادي الاصلاحي الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان بعنوان “رؤية 2030” أفسح في المجال أمام تنامي شعبيته في المملكة، وخصوصاً في أوساط الشباب. إذ جعلهم يتوقّعون وظائف وفرص عمل بالآلاف وتخفيفاً للقيود الاجتماعية. علماً أنها تعني في رأيهم كما في رأي المتخصصين في أوضاع المملكة أنه سيتولى منفرداً إعادة صوغ “العقد الاجتماعي – السعودي” الذي يبقي دولة الرفاه والعناية بالمواطنين من “المهد الى اللحد” كما يُقال، في مقابل التخلّي عن الحقوق السياسية كلّها وقبول القواعد الأخلاقية الصارمة للوهّابية. لكن عدداً مهماً من السعوديين أبدوا إحباطهم المزمن بغضب شديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تساهلت معها السلطة بقبول درجة محدّدة من الانتقاد. فأحدهم ويدعى تركي الشلهوب، الذي لديه 70 ألف متابع على “تويتر”، نشر رسماً كاريكاتورياً يظهر السعوديين مسحوقين بالضرائب المفروضة حديثاً عليهم. كما أنه وصف رؤية الأمير محمد بن سلمان بأنها “وصفة للفقر”. وقد أقنع التذمّر والانتقاد شبه العام عند الناس وعبر المواقع الالكترونية الأمير بالعودة عن بعض إجراءات التقشّف، وبإعادة عدد من المكاسب الى الموظفين.
وقد صارت المشكلة الآن في نظر قسم مهم من السعوديين أن “رؤية 2030” صارت مرادفة لخفض الرواتب ولفرض الضرائب ولوقف المكاسب في نظر شباب سعوديين استُطْلِعَت آراؤهم على نحو علمي.
وفي هذا المجال قال شاب سعودي (24 سنة) لـ”الغارديان” أن الأكثر محافظة إسلامياً يسيطرون أو يؤثّرون على عدد مهم جداً من الشباب: “فالـ 11 “تويتر” الأكثر انتشاراً تُدار من رجال دين سلفيين. ونحن نتكلم هنا عن أكثر من 20 مليون شخصاً يتمسكون بقوة بكل كلمة يقولها هؤلاء. وهم لن يقبلوا أبداً هذا النوع من التغيير”. وفيه أيضاً أن مغنياً سعودياً (طلال سلامه) حوكم على وسائل التواصل الاجتماعي لأنه غنّى (سينغ) نصاً قرآنياً في احتفال “العيد الوطني”. قال المنتقدون “ليست الكارثة فقط هذا الغناء بل هي أيضاً موافقة الحكومة على الاحتفال وعلى “غنائه” القرآن فيه”. (المحامي مصلح العُديْني). وفي المجال نفسه ثالثاً منعت السلطة مصدّراً للفتاوي في عسير من إلقاء العظات الدينية، لأنه قال “إن على النساء أن لا يقدن سيارات لأن حجم دماغهن يصغر كثيراً عندما يفكّرْون في التسوّق”. وقد تكون هذه العقبات الاجتماعية والقانونية والبيروقراطية هي التي دفعت السلطة الى تحديد 2018 موعد بدء السعوديات قيادة السيارات. ومنها الحصول على رخص قيادة ومعاهد لتعليم القيادة (أو مكاتب) وتدريب رجال الشرطة على طريقة التعاطي مع النساء السائقات، ولا سيما في بلاد تفرض فصل الرجال عن النساء، وحيث يتعاطى الرجال عادة مع نساء من عائلاتهم. ولعل أهم ما في هذا الموضوع هو أن قرار السماح بقيادة النساء كما أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز يسمح لهنّ بالتقدم لطلب رخصة قيادة من دون اشتراط إذن من “محرمها” وهو رجل. علماً أن مبدأ “الحراسة الرجالية” للنساء لا يزال ساري المفعول.
إذا كانت الاصلاحات الاجتماعية وخصوصاً المتعلقة بالمرأة تواجه رفضاً مهماً من منطلق ديني، فكيف ستكون مواجهة تعهّد ولي العهد “تدمير الاسلام المتطرف وفوراً”؟ وهل يمكن فصل الإصلاح الاجتماعي – الاقتصادي عن الديني؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb