30-01-2023 | 00:15 المصدر: “النهار”

أرشيفية.
تحركات محمومة ومتسارعة في الشارع، وعاصفة حراك سياسي انطلقت للتو، فبدت البلاد أمام سباق بين الانفجار واحتمالاته السوداوية وبين إنضاج تسوية تفتح الباب لانفراجٍ ما، فأي احتمال سيرجح قريبا؟
في موازاة الكلام المكثف الذي فرض نفسه خلال الاسبوع المنصرم عن انقياد الاوضاع في اتجاه الخروج عن التحكم والسيطرة وراج كأنه احتمال أكيد، خصوصا بعد الانسداد السياسي والاحتقان الناجم عنه، لاسيما بعد انفجار النزاع القضائي بشكله الشرس على خلفية ملف انفجار المرفأ، وبعد تعطل مسار الجلسات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في مجلس النواب اثر اعتصام نواب تغييريين في حرمه، عاد الحديث خلال الساعات الماضية عن محاولات مستجدة وجدية لفتح الأفق المسدود بإحكام من خلال حراك سياسي مكثف بدأ وسيشهد الاسبوع الطالع استكمالا له.
ولعل ابرز محطات هذا الحراك معلومات بُثت اخيرا عن امكان قيام وفد قيادي من “حزب الله” بزيارة للرابية لعقد اول لقاء بين الرئيس السابق ميشال عون وبين الحزب بعد خروج عون من بعبدا. وهو نبأ ما برح يحتاج الى ما يثبته او ينفيه، لكنه إنْ تحقق فمعنى ذلك ان ثمة معطى جديدا قد طرأ على مسار العلاقة غير المستقرة بين طرفي “تفاهم مار مخايل”.
لكن الحراك الذي شاء صاحبه ان يكون اكثر تمايزا واكثف دلالة هو الذي يعتزم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي #وليد جنبلاط الانطلاق به في بحر الاسبوع الطالع بدءا من بكركي. ومعلوم ان خطوة زعيم المختارة الاولى في رحلة هذا الحراك بدأها قبل فترة عندما استقبل بناء على رغبته وفدا رفيعا من “حزب الله” في كليمنصو، وقد كشفت مصادر حزبه انه سيستكمله بلقاءين الاول مع البطريرك الماروني والثاني مع حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري.
عنصر التمايز في حركة الزعيم الاشتراكي يتجسد في انه يقدم نفسه على انه يحمل معه مبادرة حل وتسوية عنوانها العريض كما صار معلوما الاسماء الثلاثة التي يقترحها ليصل احدها الى سدة الرئاسة الاولى مرشحا توافقيا غير استفزازي. وهو العرض الذي سبق له ان اقترحه امام وفد الحزب الزائر له، وهم الوزير السابق جهاد ازعور والنائب السابق صلاح ادوار حنين وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وبحسب تحليلات شاعت فان جنبلاط يريد عبر هذه الاسماء حشر طرفي الصراع المحتدم على الرئاسة الاولى، اي قوى #8 آذار والفريق الآخر المضاد، لعلمه ان قوى 8 آذار لاتزال تتمسك الى الآن بسليمان فرنجية مرشحا حصريا ولا تبدي اي تراجع عنه، في حين ان الفريق الآخر يضع اسم ميشال معوض في صندوق الاقتراع في المجلس منذ 11 جولة اقتراع، لكنه ضمناً يبدي انفتاحا واستعدادا للمساومة على اسم آخر اذا ما تمّت الصفقة. وبذلك فان مصادر 8 آذار وبينها بطبيعة الحال عمودها الفقري “حزب الله” تعتبر ان المبادرة التي يلوّح بها جنبلاط هي في وجهها تحديدا، فجنبلاط يعلم يقينا ان اسم العماد جوزف عون يلقى دعما من مروحة من قوى الداخل في حين ان عواصم خارجية تلفت الى انه مرشحها الموثوق به.
ومع ذلك، فان هذا الفريق (8 آذار) يستشرف جملة استنتاجات حيال حراك جنبلاط، منها انه يريد ان يعيد نفسه الى صدارة المشهد السياسي بعد انكفاء قسري لكي يظهر كرجل مبادرات في مرحلة استعصاء وشد حبال بل وعض اصابع.
الامر بالنسبة الى هذا الفريق لا يستدعي نظرة عداوة فهو يحق له من موقعه ودوره التاريخي ان يتحرك ليؤدي دورا وسطيا في ظل الانقسام العمودي الحاصل. فضلا عن ذلك فان الحزب سبق له ان استمع الى هذا العرض في لقاء كليمنصو الاخير، لكن جنبلاط يعلم ان الوفد الزائر لم يعده بشيء حتى وان كان النظر بالعرض من دون ان يرد. واللافت ان جنبلاط شرع بعدها في حملة ترويج لهذا العرض توطئة لفرضه امرا واقعا، خصوصا انه يعلم ان ثمة مساعي لترئيس قائد الجيش، لكن الاصرار على الطرح اثار عتب حليفه الرئيس بري فبعث اليه برسالة عتب فحواها: لماذا لم تحطنا علما باجواء عرضك؟ فكان رد جنبلاط انه آتٍ اليه قريبا جدا للتحاور والتشاور.
وبصرف النظر عن مآلات رحلة جنبلاط السياسية المستجدة وطبيعة اهدافها ومستوى الرهان على نجاحها، فان الحزب وفق مصادره يتحدث اخيرا بطمانينة عن وقائع عنيدة لا يمكن تجاوزها، وهي:
– انه خلافا لما يصوره خصومه فليس هو المأزوم في الملف الرئاسي.
– ارتفاع منسوب الضغوط عليه بغية جرّه الى مربع الاذعان والقبول بتسوية لا يريدها او يتوجس منها خيفة، وإلا فانه سيواجه تهمة التعطيل وتعميق الازمة.
فالحزب على قناعة من ان حراك التغييريين سواء عبر اعتصامهم في حرم المجلس او من خلال مشاركتهم الفاعلة في اعتصام قصر العدل، انما هو محاولة منهم لاظهار تمايزهم والرد على اتهام موجه اليهم بالعجز عن فعل يتجاوز فعل النخبة الحاكمة، خصوصا بعدما امضوا الاشهر التسعة التي تلت الانتخاب في جدال بيزنطي انتهى الى فرط عقدهم التحالفي. ويترافق ذلك كله مع نبرة التهديد التي بدأها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لتبلغ في نهاية المطاف التهويل بفضّ الشراكة مع الآخرين.
وهذه كلها بالنسبة الى الحزب حملة ضغط متكاملة لن تغير في الواقع العنيد، والتي تتلخص في ان لا مجال لفرض اي رئيس جديد للبلاد من دون التفاهم والاتفاق حول الاسم بين كل المكونات. وفي الوقت عينه فان كل هذه المظاهر التصعيدية هي في نظر الدوائر المعنية بالحزب ترمي الى امرين اثنين: الاول محاولة تكريس واقع فحواه ان زمام المبادرة هو بيد الفريق الخصم القادر على ملء الوقت وإشغال الفراغ.
والثاني اظهار الحزب ومَن والاه عاجزا عن المبادرة والفعل ومكتفيا بدور المدافع والمستوعب لهجمات الآخرين.
واقع يقرالحزب بانه كان سمة حركته طوال الاشهر الماضية التي مرت على ظهور نتائج الانتخابات وهو ربما ما غرّ خصومه وجعلهم يشتطّون في الحملة عليه، لكن رد الحزب الاخير يشي بان حراكه في المرحلة التالية سيكون مختلفا نوعاً وكماً لكنه سيظل حراكا مدروسا وواعيا وعلى هدي “منارة” اساسية وهي ان لا مجال اطلاقا عنده لتكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان بأي شكل.