الرئيسية / home slide / كيف يمكن إقناع الحريري بالبقاء في السياسة؟

كيف يمكن إقناع الحريري بالبقاء في السياسة؟

29-11-2021 | 00:25 المصدر: “النهار”

روزانا بومنصف

الرئيس سعد الحريري.

حتى الآن، وحده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي #وليد جنبلاط جاهر بالتحفّظات الكبيرة لديه على الاحتمال شبه المؤكد لرغبة الرئيس #سعد الحريري في ترك الساحة السياسية وليس الامتناع عن خوض #الانتخابات النيابية فحسب. لم يكن جنبلاط في المرحلة السابقة ولدى محاولة الحريري تأليف حكومته مسانداً بالقوة المطلوبة لهذه المحاولة، ولو أنه كان في الضفة معه، ولكن رئيس الاشتراكي يدرك بحدسه السياسي ووعيه تعقيدات الواقع السياسي في لبنان وتوازناته خطورة انسحاب الحريري من الحياة السياسية على عكس حلفاء سابقين لا يبدون أيّ تعاطف، بل على العكس، لا يرون ضرراً من هذا الانسحاب إن كان الحريري السابق سيعود مجدّداً، بمعنى أنهم يريدونه وفق معايير جديدة معيّنة وإلّا فلا طائل من عودته وفق رأيهم. ويعي الحريري جيداً أن بعض حلفائه السابقين من قوى 14 آذار، فضلاً عن خصومه ولا سيّما التيار العوني وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مارسوا جميعهم أدواراً متقدّمة في التقليل من صدقيّته وكفايته السياسية، ولا سيّما لدى العواصم المؤثرة. وهذا كان له فعله في بعض الدول ومنها فرنسا التي كانت مرجّحة على نحو مسبق في إطاحة إمكان تأليفه الحكومة نتيجة الإصرار الذي كان يمارسه عون وفريقه، ولا يزالان، في اتجاه الطعن في أهلية الحريري خارجياً وداخلياً وكذلك في كل مجالسهم السياسية. وهي سياسة دعائية نجحت ولا سيّما حين عرقل رئيس الجمهورية تأليف الحكومة لـ13 شهراً بعد انفجار مرفأ بيروت بهذه الذريعة فحسب، فيما محيطون بالرئيس الحريري يلقون عتباً عليه لاستسلامه لهذا الواقع وعدم مواجهته عملانياً أو تقديمه بعض الذرائع لخصومه من أجل الإغراق في ما يقومون به. وتلاقي المواقف لدى الأفرقاء المسيحيين في هذا الإطار، لا سيما بين فريق عون وحزب القوات اللبنانية وإن من منطلقات مختلفة ولحسابات مختلفة، في توجيه السهام للحريري وصدقيته وأهليته، ما ترك آثاراً مؤلمة لدى الأخير، فيما الطرفان أسهما في تسعير مشاعر العداء المسيحية ضدّه بنجاح لدى قواعدهما خاصّةً، وفيما اضطرّ قسراً ولا يزال تحت وطأة الاستهداف الذي تعرّض له والده من قبل وصولاً إليه، إلى عدم الانفلاش لبنانياً أو وطنياً في ظل الاصطفافات الطائفية القاتلة.

بعض المعلومات تتحدث عن قلق لا تخفيه دوائر ديبلوماسية أجنبية من احتمال انسحاب الحريري من الانتخابات النيابية والحياة السياسية عموماً. فهذا سيكون عنصراً يغيّرالكثير من قواعد اللعبة السياسية في لبنان وتوازناتها، لا بل يقضي على الحسابات الجارية على قاعدة الواقع السياسي القائم انطلاقاً من أن غياب الحريري يمكن أن يكون بمثابة الزلزال الذي يصيب الطائفة السنّية لجهة تشتيتها وتوظيفها من جهات عدّة إقليمية ومحلية قد تهدّد بإطاحة سيادة الاعتدال لدى الطائفة السنّية، فضلاً عن انعكاس تردداتها على بقية الطوائف. ولا شك في أن بعض خصوم الحريري يهللون ضمناً لهذا العامل على قاعدة نجاحهم في إطاحة ما يطلقون عليه الحريرية السياسية باعتباره الإنجاز الوحيد الذي قد يسجل لهم والذي قد يوظفونه في حملاتهم الانتخابية، إذ إن دخول بهاء الحريري، النجل الآخر للرئيس رفيق الحريري، الحلبة السياسية والانتخابية، لا يُنظر إليه حتى الآن بجدّية ولا يرون فيه سوى نجاح غير معروف لمن يدفع به من أجل تجويف الحريرية والإسهام في إنهائها وليس تعزيزها، حتى لو ضخّ أموالاً كثيرة لهذه الغاية. الحسابات الغربية إزاء تعديلات إيجابية تدخلها المجموعات المدنية على الطبقة السياسية من خلال الانتخابات مهما تكن طبيعة هذه التعديلات أو حجمها قد تطيحها كلياً المتغيرات التي تحملها الطائفة السنية في تشتتها وتوظيفها من أطراف آخرين من ضمن حصصهم، أو في اللعب في الساحة السنّية. فهناك زعماء مناطقيون من أركان الطائفة السنية ولكن لا أحد منهم يسهل عليه الحلول محلّ الحريري الذي لا يزال يحظى بتعاطف كبير في الأوساط السنّية وفي أوساط مسيحية أيضاً غير حزبية، على رغم المأخذ على أخطاء كثيرة، إنما توازي أيضاً المآخذ الجمة والهائلة على كل الأحزاب والتيّارات الأخرى ولا سيما تلك التي في السلطة وفي موقع الخصومة للحريرية ككلّ، التي باتت مسؤولة بامتياز عن انهيار البلد وتدميره وإفقار اللبنانيين.

يرى بعض هذه الدوائر ضرورة تظهير هذه الصورة كثيراً لدى الدول العربية المهتمّة بلبنان كمصر مثلاً التي تستطيع أن تؤدّي دوراً كبيراً في هذا الإطار إلى جانب العمل الغربي لدى بعض الدول الخليجية التي ستخسر لبنان على نحو نهائي لعقود مقبلة إن ظلّت على انكفائها عن لبنان وعن الطائفة السنّية وإعادة صياغة علاقات جديدة على قواعد مختلفة مع أركان الطائفة. فمهما تكن الأسباب للتوتر أو للعلاقات الصعبة الحالية بين لبنان ككل والطائفة السنّية والدول الخليجية، فإن ضرراً عميقاً وجوهرياً يمكن أن يحدث نتيجة لذلك. وتالياً لمصر دور أساس ومهمّ على هذا الصعيد في رأي هؤلاء وكذلك للكويت وللإمارات العربية حيث يقيم الحريري منذ مغادرته بيروت بعد تأليف الحكومة التي أعطت من حيث تعطيلها صدقية كبيرة للحريري بأن هناك من يدفع البلد إلى الانهيار لأهداف مصلحية خاصة أو إقليمية مهما تكن الجهود أو الأشخاص في موقع رئاسة الحكومة، وتالياً إنّ تعثّره سابقاً وإن كان يتحمّل بعض مسؤوليته فإن الكثير من العوامل تخرج عن إرادته أيضاً. ويمكن لواشنطن في صورة خاصة أن تمارس دوراً أيضاً في التشجيع على عدم اتخاذ الحريري قراراً جذرياً في اتجاه الانسحاب بناءً على عدم وجوب إتاحة الفرص للمزيد من تقوية سيطرة “حزب الله” وحلفائه على لبنان وإعادة صياغة علاقة جديدة بين حلفاء الأمس فشلت سابقاً بالجهود المصرية والإماراتية وحتى الكويتية. واهتمام واشنطن بعدم ترك لبنان لإيران يُفترض أن يتفعّل على خط داخلي وعربي في هذا الاتجاه. وما بدأه جنبلاط على هذا الصعيد يمكن أن يكون خطوة أولى يجب أن تلحقها خطوات أخرى متعدّدة ليس ضنّاً بالحريري فحسب، بل لمصلحة البلد وخطورة ما يتجه إليه في المرحلة المقبلة.

rosana.boumonsef@annahar.com.lb