اخبار عاجلة
الرئيسية / أضواء على / كيف نعيد البومة البيضاء حارسة خيرات الحقول؟

كيف نعيد البومة البيضاء حارسة خيرات الحقول؟

يتناول طائر البوم البالغ بين 3 إلى 4 فئران يومياً

هشام يونس
الأخبار
12012018

في سبيل بناء علاقة سلمية مع محيطنا البيئي الطبيعي لا بد لنا من تصويب الكثير من المفاهيم الشائعة والخاطئة عن هذا المحيط الذي نحن جزء منه. من هذه المفاهيم الخاطئة تصور «الحياة البرية» باعتبارها حيزاً منفصلاً عنا، يمكن أن يكون مساحة حرجية أو جرداء تعيش عليها بعض الحيوانات والطيور، جميعها مجهولٌ لدينا.

حيث لا علاقة تربطنا به والاتصال الوحيد لنا معه هو في حالتين: حينما نخرج إلى «البرية» أو حين تأتي حيواناتها إلى محيط قرانا وبلداتنا وحينها تعتبر غازية وخطرة مباحٌ قتلها. لكن في واقع الأمر نحن من «غزونا» البرية وموطن هذه الحيوانات والطيور ودمرنا ملاذاتها بالزحف الإسمنتي وشبكة الطرق العشوائية وحاصرناها في جزر من بقايا المساحات الخضراء والحرجية. إلا أن هذا لا يغير من حقيقة أننا، أينما كنا، نشكل جزءاً من هذا المحيط الحيوي الذي تشكله النظم البيئية على اختلاف أنواعها، نؤثر ونتأثر بها بشكل مباشر. بإمكاننا أخذ أكثر من نموذج، ربما معظم الحيوانات البرية، للنظر في هذا الفهم الخاطئ للعلاقة مع محيطنا الطبيعي… في طليعتها بوم الحظائر

أدرج كتاب حالة الطيور في لبنان  الذي أعده أسعد سرحال وباسمة الخطيب ونشر في ٢٠١٤ ضمن مشروع “تعميم إدماج المحافظة على الطيور المحلقة المهاجرة في القطاعات الإنتاجية الرئيسية على طول مسار الوادي المتصدع / البحر الأحمر” الذي نفذته وزارة البيئة في لبنان، ستة أنواع من البوم توجد في لبنان منها أربعة مقيمة وهي بوم المخازن  وبومة النسر الأوراسية  والبومة السمراء   والبومة الصغيرة  ونوعان مهاجران: البومة الطويلة الأذن  مهاجرة شتوية وبومة الأشجار الأوروبية  بالإضافة إلى نوع سابع متنقل غير مؤكد وهو بومة السمك البنية .

ناظمة القوارض

تعتبر بومة الحظائر أو المخازن البيضاء أكبر ناظم للقوارض. فهي تنشط في أكثر من منطقة لبنانية وتفضل المناطق المفتوحة مثل الحقول والمراعي، مما يسهل عليها رصد ومباغتة طرائدها كما تنشط في بعض الأماكن الحضرية. وهي تعتبر أفضل ناظم للقوارض التي تشكل التحدي الرئيسي للأراضي الزراعية والأرياف ولصحة الأماكن الحضرية. إذ تأتي القوارض بمختلف أنواعها على رأس قائمة طرائدها وحيث تندر تلك، تصيدُ البوم السحالي والبرمائيات وبعض أنواع الحشرات. وقد أظهرت دراسات عدة تناولت النظام الغذائي لبوم المخازن من بينها دراسة أعدتها “مامال سوسايتي” البريطانية أن طائر البوم البالغ يتناول بين ٣-٤ من الفئران يومياً٤٥ ٪ فأر الحقل و١٥٪ فأر الخشب و٢٠٪ قارض الزبابة “سوريكس”  وهو ما يعادل ألفي فأر وقارض في العام للطائر الواحد، ما يجعل بوم الحظائر تتصدر، إلى الكواسر والأفاعي والثعلب الأحمر والنمس من الحيوانات والطيور البرية، قائمة مفترسات الفئران والقوارض.

في صدارة قائمة المفترسات

وما أسهم في تصدر البوم قائمة المُفترسات هو نشاطها الليلي وتمتعها بحاسة سمع قوية ورؤية ليلية تمكنها من رصد الفئران وتعقبها بخفوت مذهل يقارب الصمت تمتاز به عن سائر الطيور وباقي المُفترسات.
ليس هذا فحسب، بل إن بوم الحظائر، شأن الثعالب الحمراء، أظهرت قدرة كبيرة على التكيف وخاصة في المناطق الحضرية ومحيطها مما يجعلها حيوية وضرورية للحد من تزايد القوارض في تلك المناطق وهو أمر مهم للغاية لمواجهة تحدي التزايد المطرد للقوارض في التجمعات الحضرية والتي تعد من أقدم وأخطر التحديات التي تواجهها، وآثار ذلك على الصحة العامة تكفي الإشارة إلى أن أسوأ حالات انتشار الأوبئة والتي أودت بأرواح الملايين حملتها القوارض. وتتضاعف أهمية البوم والمفترسات الحضرية الأخرى مع تحذير دراسات عدة من مخاطر الاعتماد على القطط الأليفة لهذه المهمة خشية نقل القطط للأوبئة التي تحملها القوارض من الفئران والجرذان إلى أفراد المنزل.

«المكافح البيولوجي»

بين عامي ٢٠١٠-٢٠١١ شهد لبنان والبقاع الغربي ما اعتبر انفجاراً وبائياً لفأر الحقل  حيث تضاعفت أعداده بشكل كبير وقد عزي الأمر في حينه إلى موجة جفاف سادت إبان تلك الآونة، وقد قضى ذلك على موسم القمح والشعير وخلّف أضراراً جسيمة في الحقول الزراعية وخسائر كبيرة على المزارعين. وسادت خشية في حينه من انتشار الأوبئة بين قطعان الغنم والماعز وانتقالها إلى الناس ووزعت الطعوم لهذه الغاية.
إلا أن هذه الظاهرة ليست جديدة ومعزولة في لبنان وبلاد الشام، فلقد سجلت قبلها كما أعقبها العديد من حالات مشابهة. ويشكل تزايد أعداد فأر الحقل تحدياً دائماً للمزارعين في سوريا كما في لبنان وفلسطين، وقد قضى العام الماضي (2016) على موسم القمح في حقول حماه.
وقد أسهمت التغيرات المناخية الناشئة عن الاحتباس الحراري في توفير المناخ المناسب لتكاثر هذه القوارض فضلاً عن أن مناطق من لبنان وسوريا وفلسطين تعتبر مواطناً لفأر الحقل (ويندرج ضمنه ٦- ٧ أنواع فرعية) وهذا ما أورده العالم الألماني بيتر سيمون بالاس الذي وثق النوع في عام 1773 وأعطاه اسمه العلمي المستخدم اليوم. وهو الأمر الذي أكده علماء بيولوجيون خلفوا بالاس وسجلوا وجود ونشاط فأر الحقل في لبنان (البقاع) وسوريا وفلسطين (الشمال والضفة الغربية وغور الأردن).

مخاطر المركبات الكيميائية

ولقد ثبت أن استخدام المركبات الكيماوية السامة من قبيل فوسفيد الزنك وتتان وفوستكسين للقضاء على القوارض تحمل مخاطر وتداعيات بيئية خطيرة على باقي الحيوانات بما فيها أنواع القوارض الحيوية والطيور وتلك المفترسة للفئران بشكل خاص، حيث تقضي نتيجة للسموم أو بتناول الفأر المسمم، فضلاً عن أثارها على المواشي. وفيما تتكاثر الفئران على مدار العام وبأعداد كبيرة تسمح لها بالتعويض في تناقص أعدادها بفعل التسمم لا ينطبق الأمر على مُفترسات الفأر الأقل عدداً ونسبة في التوالد مما يُقيل عنصراً حيوياً في الحد من تكاثرها ويزيد من أعدادها.
وهو ما يقودنا إلى خلاصة توصلت إليها مراكز الأبحاث الزراعية المختلفة حول أهمية مواجهة هذه المعضلة بالوسائل البيولوجية والتي لا تحمل أيّ مخاطر على البيئة والصحة العامة بعكس المبيدات والسموم الكيماوية. وتأتي في مقدمة هذه المبيدات البيولوجية البومة البيضاء.
وقد عمدت أكثر من دولة ومنظمة مختصة إلى إطلاق برامج للمساعدة على رفع أعداد هذه الطيور بشكل رئيسي وكذلك صقر العوسق أو صقر الجراد أو الشبوط (كما الحال في فلسطين) وحماية باقي المُفترسات الحضرية مثل الثعلب الأحمر (بريطانيا) نظراً لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الطيور كمبيد بيولوجي لسلامة وصحة المزارع والحقول وكذلك الأماكن الحضرية وهذا ما يفسر تسميتها بصديقة الفلاح وحارس الحقل.


تاريخ وتحديات

تواجه طيور البوم، وبشكل رئيسي بومة الحظائر البيضاء مخاطر الانقراض. هذه البومة ذات الوجه الأبيض الساحر الذي يشبه القلب بألوان ريشها المميز، ناشطة في الأرياف كما في محيط المدن. سبق أن اتخذتها مملكة صور الفينيقية رمزاً ملكياً لها وسكتها على عملتها (الصورة لعملة من مدينة صور تعود لـ٤٠٠-٣٦٠ ق.م ويظهر عليها طائر البوم الذي اتخذته المملكة الفينيقية شعاراً ملكياً لها). بين التحديات التي تواجهها هذه البومة الساحرة، الموروثات الشعبية التي تقدمها على أنها نذير شؤم، فيما يظهر دورها الحيوي أنها عكس ذلك تماماً. كما تتعرض للقتل العبثي والجائر والإتجار غير المشروع. وبدل أن نسعى إلى حمايتها والعمل على زيادة أعدادها، تتراجع أعدادها بشكل متسارع مما يقوّض دورها الحيوي وهو ما سيكون له تداعيات خطيرة على المدى البعيد على صحة وسلامة الحقول والبراري والأرياف وحتى على مدننا وبلداتنا إذا لم نسارع إلى حمايتها وزيادة أعدادها ببرامج ترعاها وزارتا الزراعة والبيئة لتشكل بدائل بيولوجية مستدامة تدرب الفلاحين على كيفية تشجيع زيادة أعداد هذه الطيور والتعامل معها وتوزيع أعشاش صناديق خشبية لتشجيعها على الاستقرار والتكاثر والتشدد في ملاحقة المعتدين عليها. خلاف ذلك، ستتزايد أعداد القوارض ومعها الأوبئة وبالتالي تتراجع إنتاجيه الحقول ومعها مستويات دخل ومعيشة المزارعين وهو ما يضعف فرص ومجالات تنمية الأرياف والمجتمعات المحلية.

اضف رد