الرئيسية / home slide / كوكبة ومواكب

كوكبة ومواكب

22-03-2023 | 00:40 المصدر: “النهار”

سمير عطالله

سمير عطالله

اقفال طريق كورنيش المرزعة (تعبيرية).

اقفال طريق كورنيش المرزعة (تعبيرية).

عندما تسوء العلاقة بين زوجين، تنمو لدى احدهما، أو لدى كليهما، الرغبة الدفينة في الانفصال. ويحاولان احياناً تحدي هذه الرغبة أو تجاهلها، لعل تأزم العلاقة ينفرج، أو تتبدل الأولويات من تلقاء نفسها، أو ينشأ مناخ معاكس يحمي العلاقة من تبعات السقوط وآثاره.

تحدث هذه التجارب والمحن في الجماعات والأمم ايضاً. عرس تُقرع فيه الأجراس وتُلقى الزغاريد، وطلاق فيه حزن ووجوم واتهامات ونقمة لا تزول. تتوقف اشياء كثيرة على صلابة العلاقة ووعي الفريقين. توافرت لدى بعض الوحدات أفضل المكوّنات وأنسب “الظروف الموضوعية” كما سمّاها الماركسيون، لكنها اهتزت بالنزق والترّهات والعصبيات الصغيرة، كما في الوحدة المصرية – السورية، التي كان يُفترض ان تصبح نموذج العصر القومي.

لكن التجربة واجهت خفّة المشير #عبد الحكيم عامر التي لا حدود لها، وقسوة عبد الحميد السرّاج التي لا مثيل لها، ولم تعد تنفع في الخلاص حتى قامة مثل قامة #جمال عبد الناصر. من بعدها لم تعش للعرب وحدة، لا صادقة ولا بهلوانية، مثل وحدات معمر القذافي الذي حمل عباءته وتنقّل بها متأبطاً “الكتاب الأخضر”. لم يحدث تسخيف لأهم حلم عند العرب، كما حدث في مهرجانات القذافي والنميري وسائر الفرقة العسكرية التي سادت ديار العرب طوال النصف الثاني من القرن العشرين.

جاء العسكر من الثكنات ولغة الأمر ومنع النقاش، وكانت المنطقة لا تزال محدودة التعليم، فحوّلوا البلدان الى حقل تجارب وعروض للخطب والدبابات وأدخلوا الحريات الى الزنازين، وفرضوا عقيدة الرجل الواحد، وكأنه إله أرضي، إياكم والكفر بالهامة.

عشرون عاماً مرّت على الاحتلال الاميركي للعراق. هناك، بين النهرين، بدأ زمن النهايات، وليس في انقلاب حسني الزعيم في #سوريا، وإنما في بغداد حيث اقتحم اللواء الركن الزعيم عبد الكريم قاسم وعسكره، القصر الملكي وذبحوا أهله، وتركوا لـ”جماهير” الثورة ان “تقصب” رئيس الوزراء نوري السعيد، وتعلّق الاعضاء المقصبة على أعمدة الكهرباء.

كل ما سبق، لم يعد يبدو شيئاً، أمام حكم “الزعيم الأوحد”. سدّ أبواب الشورى والمشاركة في كل مكان. كل شيء صار يبدأ في العراق. جورج دبليو بوش كان زعيما أوحد ولو ناطقاً بالإنكليزية. هاجم العراق حتى من دون غطاء أممي ولو شكلياً.

لم يكن رئيس اميركا اكثر ثقافة أو معرفة، من الزعيم الواحد في بغداد، ولا أكثر تعقّلاً. وفي بلد بحجم العراق وبابليّته، جعل بول بريمر يحلّ الجيش ويترك بلاد الرافدين مشرّعة الأبواب أمام أوبئة الجنون، مشرّدة ملايين العراقيين في الداخل والخارج. لم يستغرب العالم ان يهاجم صدام حسين ويحتل دولة جارة، فهو في نهاية المطاف نتاج ثقافة “قصر النهاية”. أما ساكن البيت الأبيض بأكثرية 50 صوتاً، فخلفه كونغرس ومجلس شيوخ، ولجان تمنع أحياناً تعيين وزير أو سفير.

ومع هذا مزّق الولد المدلل، الذي خرج من بلاده مرة واحدة (وكانت من المكسيك)، مزّق العراق، والعراق مزّق العرب، والعرب لم يكونوا مرة في حاجة الى مَن يمزقهم.

دبّت موجات الطلاق على المستوى الداخلي والقومي معاً، وصولاً إلى ديارنا. صار أمراً عادياً لا يلفت أحداً ان نفيق كل يوم على صوت بيّاع الجرائد ينادي على اللامركزية الادارية. أو على الإدارة اللامركزية. أو على أحمر يا بطيخ: كل فريق يريد ان يخطف حصته ويهرب بها قبل أن تتضاءل أكثر.

لا شيء يكبر سوى سعر #الدولار وعدد المرشحين للرئاسة. أحد عشر مرشحاً. وفي الآية الكريمة قال يوسف لأبيه “يا أبتِ إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”. أحد عشر مرشحاً مارونياً للرئاسة. أليس في الإمكان إكمال العدد الى الدزينة؟ رقم اقرب إلى المألوف. يُجمَع بسهولة، ويُطرح بسهولة، ويُضرب بسهولة أيضاً. اللامركزية هي حلول الفاشلين. نحن لسنا البلد الوحيد المتعدد الهويات كما ندّعي. اليونان فيها من بيزنطيا، وفيها من روسيا، وفيها من اوروبا الوسطى. هويات تقاتلت ثم تفاعلت. كذلك جنوب الولايات المتحدة وشمالها. نحن في حاجة إلى ان نجرّب العيش معاً وليس الانفصال. وربما يساعدنا على ذلك الآن الاعلان عن مصالحة كبرى بين السعودية وايران، لعلها الأولى منذ قرون. وعندها تكون أمام المسيحيين مهمة واحدة هي التقريب، اذا استطاعوا، بين السنّة والشيعة، بعيداً عن الولدنات السخيفة في التحريض والاستعراضات والإهانات التافهة.

الرجاء، خلّيكم عندنا. اللامركزية مجرد حلم سريع التحول الى كابوس، كما حدث من قبل. اعرفوا أحجامكم، وتمعّنوا في تاريخكم، وكفاكم عبثاً بلبنان الكبير. لبنان الكبير ليس مُنّة منكم. أُعطيَ لأناس كبار ونفوس كبرى، ورؤوس عالية علّقها السفّاح معاً، من دون أن يسأل أحداً عن هويته. يجب ان يعلو صوت واحد: صوت استعادة الذين يمكن ائتمانهم على وحدة لبنان وكرامته وعبقريته في صنع الازدهار. المجوِّعون…آن لهم أن يستحوا.