اخبار عاجلة
الرئيسية / أبحاث / أبحاث اجتماعية / “كشك الفتاوى”… “تعالو شوفو”!

“كشك الفتاوى”… “تعالو شوفو”!

 

تعليقات، سيل منها، سخية بين الجد والمزاح والسخرية، على الطريقة المصرية. المشهد الذي طالع المصريين في مترو الانفاق استوقفهم في الايام الاخيرة الى حد اثارة جدل انتشرت حماوته في الاعلام المصري ومواقع التواصل الاجتماعي، جدل لا يزال مستمرا. “كشك الفتاوى”، للمسلمين “الكبار والصغار”، “النساء والرجال”. “تعالو شوفو”.

هالة حمصي
 المصدر: “النهار”
 26 تموز 2017

في “الكشك” الصغير، واعظون. والفتاوى الدينية لمن يرغب، في فسحة لا تتجاوز 4 امتار. الباب مفتوح 12 ساعة يوميا من دون توقف، على فترتين صباحية ومسائية. والمنتظرون عنده “كثيرون”، بحيث استلزم زيادة عدد الواعظين “لتلبية حاجات الناس”. “الكشك يحقق نجاحا”، وفقا للقيمين عليه. في اسبوعه الاول، صدرت عنه نحو 200 فتوى يوميًا، وبعض الاسئلة التي تلقاها من الناس وُصِفت بانها “غريبة”، مفاجئة.

ما “دشّنه” الاعلام المصري بـ”كشك” هو مجرد “مكتب للفتاوى” افتتحه مجمع البحوث الاسلامية التابع للجامع الازهر في مترو الانفاق، تحديدا في محطة الشهداء الرئيسية التي يمر فيها مئات آلاف الركاب يوميا، وذلك بموجب بروتوكول بينه وبين شركة مترو الانفاق. في اول يوم عمل له الاربعاء 19 تموز 2017، “بلغ عدد زواره نحو 142 شخصاً”، وفقا لأحمد عبد الهادي، المتحدث الرسمي باسم شركة مترو الأنفاق، مشيرا الى أن “جعل مقر الفتوى في محطة المترو يوفر على المواطنين الذهاب الى دار الإفتاء. فينزلون إلى محطة الشهداء، للحصول على اجوبة عن اسئلتهم، بشهادة رسمية من الأزهر”.

“اقبال غير متوقع”

شيوخ من الأزهر في محطة المترو. فكرة “الكشك” انبثقت من “حاجة المجتمع المصري الى التوعية الصحيحة، من خلال علماء الازهر، في اطار جهود الدولة المصرية في حربها ضد الارهاب”، يقول الامين العام لمجمع البحوث الاسلامية الدكتور محيي الدين عفيفي لـ”النهار”. ويضيف: “بالتأكيد، الجهود الامنية موجودة. لكن ثمة حاجة الى جهود فكرية، اي مقاومة الفكر بالفكر”.

ويتدارك: “المواطن المصري يحتاج الى مصدر صحيح يطمئنه الى الفتوى او معرفة رأي الدين في مسائل معينة من خلال هذا المصدر. الازهر الشريف مؤسسة عالمية تتسم بالصدقية وبقدرتها على بيان سماحة الاسلام ويسره، واحترام انسانية الانسان. وبالتالي، فعّلنا هذه المبادرة، تلبية لحاجات المواطنين، في اطار مواجهة الفكر المتطرف”.

 (أ ب )

في انطلاقته، سجّل مكتب الفتاوى في المترو اقبالا لافتا على الفتاوى المتعلقة بالبنوك والربا والأحوال الشخصية والعبادات والخطبة والخلافات الزوجية والطلاق، إضافة إلى الصلاة والصيام. أسئلة عادية، واخرى “شائكة”، مفاجئة، بعضها عن الإلحاد والانتحار… معظم مرتادي الكشك من السيدات خصوصا اللواتي طلبن فتاوى تتعلق بالأحوال الشخصية والميراث، ورجال كبار في السن ومتزوجون، في وقت لوحظ عدم اقبال الشباب الصغار في السن.

“تنكيت” مصري

في التقويم، “هناك اقبال غير متوقع من المواطنين على هذا النشاط التوعوي”، يقول عفيفي. “نحترم رأي المواطن، وندع له القرار لنمضي في توسيع الفكرة او الغائها. لكن كل المؤشرات تدل على ان هناك ترحيبا عاليا واقبالا جيدا جدا على هذا النوع من النشاط”. في ضوء هذه النتائج الاولية، ثمة كلام على ان مجمع البحوث يدرس اقتراحات لدعم الكشك بآخر في محطة الشهداء، واقامة اكشاك في محطات مترو اخرى، تمهيدا لتعميمها.

ظاهرة فريدة في المترو اهتم بتفاصيلها كلّ الشارع المصري، الى حد احتدام الجدل حولها على مختلف المنابر. ترحيب، ولكن ايضا سخرية صفراء، انتقادات، اتهامات، “تنكيت”، استهزاء. “في أكشاك فتاوى المترو، لا بد من توفر نوعية فتاوى الكومبو بالحاجة الساقعه والشيبسي”. “فتاوى في اكشاك في المترو! كأن سيل الفتاوى على الفضائيات ليس كافيا. من صاحب هذه الفكرة العبقرية؟” “من كتر الفتاوى بنوا لها أكشاك بكرة هاتنزل على التموين”. “طيب أكشاك الفتاوى دي ممكن تبيعوا فيها كام خرطوشة سجائر على كام مرتونة شيبس وصندوق بيبس وبمكسبهم تقبضوا بتوع؟”…

(الدكتور محيي الدين عفيفي)

كلام كثير كثير على الكشك في الشارع والمقاهي، مرورا بمواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية والصحف والجامعات… وصولا الى البرلمان. “‫كيف تسمح الدولة بهذا العبث والسطحية التي تعبّر عن عدم فهم الأزهر حقيقة تطوير الخطاب الديني، ويؤكد أنه مؤسسة تعاني انفصالا عن واقع المجتمع ‬وتتعارض حتماً مع ما أكده الدستور من أن مصر دولة مدنية ديموقراطية حديثة؟” يتساءل وكيل لجنة التضامن الاجتماعى والأسرة النائب محمد أبو حامد على صفحته على “الفيسبوك”. ‬

“لكن إيه المشكلة؟”

من كل حدب وصوب، تنهال التعليقات. بحر. “مشكله مصر هي الفتوى. فتوى تبيح القتل، وفتوى تعمل فتنة. علّموا الناس ان يقرأوا، ويتعلموا ويفهموا دينهم”. غيض من فيض “بوستات” على “تويتر” و”الفيسبوك” غير مؤيدة للفكرة، “لانو مش عايزين حكم ديني”، مع توجس من “الشرطه المجتمعية واهل الحل والعقد والمطوعين”.

“أكشاك الفتاوى زي سندوتشات التيك أواي”، بتعبير الصحافي شريف الشوباشي، او “الفتاوى على الطاير” يكتب صلاح منتصر… من اطرف النكات المصرية عن هذه المبادرة الازهرية: “عاجل- الهند تطلق اول قطار بالعالم بالطاقة الشمسية. ومصر تطلق اول كشك للفتوى داخل المترو”. “اكشاك الفتاوى معلبة وطازة وساقعة وكلة في محطة مترو الانفاق. من فضلك ياااااا مولانا، هل يجوز اكل الملوخية من غير ارانب؟”

 (أ ب)

قبالة جبهة الرافضين، تبرز ايضا جبهة المؤيدين دفاعها. لكن “إيه المشكلة لما نلاقي فتوى دليفري؟” يتساءل الاعلامي عمرو اديب، في معرض كلامه. “كلمة حق في الوقت ده أهم من أي حاجة في الدنيا”. المصريون المؤيديون للفكرة يجدون ان “أكشاك الفتاوى مفيدة بالفعل”، “فكرة طيبة”، “جيدة”، و”أعداء الإسلام يحاربون كل مظهر اسلامي، ويعترضون على تلك الاكشاك الأزهرية”، يكتب احدهم.

للساخرين القائلين “بأنها “تيك اواي”، رد وعتاب: “عيب عليكم، دي مش أخلاق المصريين أبدا. في السعودية، هذه الاكشاك كثيرة جدا، وتخدم الحجاج فى مكة والمدينة، ونقف عندها في طوابير”، تضيف احداهن. بالنسبة الى عضو اللجنة التشريعية في البرلمان النائب ممتاز دسوقي،” كشك الفتاوى “أحدى خطوات تجديد آليات الخطاب الديني، والتي وعدت بها وزارة الاوقاف”، “وذلك للحد من انتشار الفتاوى المغرضة التى ساعد في انتشارها بعض مشايخ الفضائيات غير المؤهلين أو المتخصصين”.

حتى عيد الاضحى

كل هذه الاجواء اطلع عليها الدكتور عفيفي. “نعم، نعم. معروف جيدا اختلاف الآراء والمنطلقات. ونحترم كل الآراء. ويبقى الرأي النهائي للمواطن. هو الذي يحكم، لانه يلتقى الخدمة”، على قوله.

وردا على المتهمين بان هذه المبادرة تناقض مدنية الدولة المصرية، يؤكد “انها بالعكس تدعم مدنية الدولة ولا تنادي بالدولة الدينية. فهي تصب في مصلحة المواطن، اكان مسلما ام مسيحيا، لان تفجير الكنائس وبث الكراهية ضد غير المسلم لا يحصلان الا من خلال فتاوى دينية. المبادرة تحمي في المقام الاول غير المسلم قبل المسلم. تحمي المواطن وتدعم قيم المواطنة في الدولة”.

هل تدعو اللبنانيين الى اقامة مكاتب مماثلة للفتاوى؟ يجيب: “نعم، ادعو الاخوة في لبنان الى تبني مثل هذه التجربة الميدانية التي تهدف الى دعم جهود الدولة وترسيخ اسس المواطنة”.

 الكلام على كشك الفتاوى ابعد من ان ينتهي. لكل المعترضين، “بشرى سارة”. ففي خضم موجة الترحيب والانتقاد، اعلن قبل ساعات وزير النقل المصري هشام عرفات “إنهاء عمل كشك الفتوى في محطة مترو الشهداء بعد عيد الأضحى المقبل”، لافتا إلى “أنه تم إقرار وضع اكشاك الفتاوى في شهر رمضان، ولاقت قبولا من الجميع. وسنستمر فيها حتى انتهاء موسم الحج”. لكنه أكد أنه “سيتم إعادتها مجددا، إذا كان هناك طلب من الجمهور عليها”.

هو ايضا طاولته اتهامات، وطالب بعضهم باقالته “لانه فرّط باموال الدولة لاقامة الكشك”. التعليقات تفيض بأفكار المصريين وهواجسهم. ولعل أهضمها ما علّق به سايد: “انا الوحيد في مصر اللي ما قلتش رأيي في اكشاك الفتاوى. وذلك لسبب بسيط. هافتح… كشك!”

hala.homsi@annahar.com.lb

اضف رد