محمد حجيري|الأحد20/05/2018
والطامة الكبرى ليست في الاغتيال فحسب، بل في المحاكمة، فبرغم ان وقائع الاغتيال معروفة، انتهت المحاكمة التي دامت سنتين، الى المعمعة، واختلط فيها الجد بالهزل، ورافقتها أعمال تفجير وعنف طالت عدداً من دور النشر المعارضة للتيار الناصري. وفي نهاية عام 1968، أصدرت المحكمة حُكمها، فقضت بالإعدام للقاتل عدنان سلطاني، وبالسجن للمشاركين الفارين محمود الأروادي وأحمد “سنجر” المقدم، بينما برّأت “المحرض” ابراهيم قليلات. ثم تبع ذلك عفو رئاسي خفّض عقوبة الإعدام الصادرة بحق القاتل الى السجن 20 عاماً، وكان سلطاني سجيناً مرفهاً بأي مقياس. فرعاية المخابرات المصرية له لم تتوقف بعد إدانته. وزيارات موظفي السفارة المصرية في بيروت، وبينهم الملحق الأمني عبد الحميد المازني، كانت متكررة. ومع ذلك لم يُكمل سلطاني عقوبته، إذ نجح في الإفلات من سجنه إبان الحرب الأهلية عام 1976، أي بعد مرور 10 سنوات على جريمته (نتذكر افلات حبيب الشرتوني المتهم باغتيال بشير الجميل بعد هجوم الجيش السوري على “جمهورية ميشال عون في 13 تشرين الأول 1990”). كما لم يتم تعقب الأروادي والمقدم، وبقيا حرّين طليقين. وعدا عن نحر الخراف تزامنا مع اعلان “براءة” قليلات، وزعت منشورات في بعض المناطق اللبنانية، “تطعن في كامل مروة، وترفع من شأن المتهمين. وألصقت صور ابراهيم قليلات في عدد من جدران بيروت والضواحي والأرياف، وصفته بـ”البطل وابن بيروت البار”(2)(وصف أحد نواب حزب الله قتلة رفيق الحريري بالقديسين). وحين توكل محسن سليم (النائب الراحل) عن الجهة المدعية ندد سليم اللوزي، صاحب مجلة “الحوادث” بمحسن سليم وقارن بينه وبين ابراهيم قليلات ناسباً الى المحامي الوكيل “العمالة”. وأغدق اللوزي في الدفاع عن قليلات قائلا “عند ابراهيم قليلات، كانت الحقيقة أثمن من الحياة فغامر بحياته من أجل ان تظهر الحقيقة”. وبرر اللوزي دفاعه عن قليلات لأنه يحب “خطه السياسي الذي هو خطنا”. واذاعت “جبهة الاحزاب والهيئات والشخصيات الوطنية والقومية اللبنانية”، وكان على رأسها كمال جنبلاط، بياناً في حزيران/ يونيو 1966 أشار إلى اغتيال الصحافي اللبناني المشبوه”، وبحسب الباحث وضاح شرارة اختيرت العبارة بدقة فلا يدري القارئ منعوت المشبوه، أهو الصحافي أم الاغتيال، لكنه لا يجهل من المقصود بالنعت اذا رد البيان الى مصدره”. يضيف شرارة “وعندما أقدم لبنانيون ناصريون، بحسب تعريفات أنفسهم، على الاغتيال، وتوسلوا به إلى اثبات موقف سياسي، تضافرت قوى سياسية محلية، وعروبية يسارية، على حمل الإغتيال على محمل الموقف السياسي المقبول والمعقول. فحالت بين القضاء وبين التحري عن الحقيقة، وحالت بين مؤسسات الدولة وأجهزتها وبين الاضطلاع بمهماتها. وعبأت الجموع، ورفعت الانتماء الاجتماعي حجة على الصدق ودليلاً على الحق”.
واللافت أن بعد سنوات على اغتيال كامل مروة على يد الأدوات الناصرية اللبنانية، اغتيل سليم اللوزي على يد الأدوات البعثية الأسدية في الرابع من آذار/ مارس 1980، وكان اللوزي معروفاً بموقفه المناوئ للنظام السوريّ بعدَ احتلاله لبنان، وخلال الحرب الأهلية انتقل اللوزي إلى لندن هرباً من تهديدات متكررة طالته وأسرته، ثمّ قرر العودة إلى لبنان ليشارك في تشييع والدته، فاختُطف على طريق المطار وعُثر على جثّته مشوّهة بشكل فظيع بعد ذلك بأيام.
واغتيال اللوزي مثل اغتيال نسيب المتني وسهيل طويلة وسمير قصير ورياض طه، يعكس واقع السياسات الاستبدادية والقمعية والمخابراتية والميليشياوية، والمؤسف أن بعض الصحافيين هم شركاء في القمع وتبجيل القتل، وأداة من أدواته، في إطار سياسة هم ونحن أو انتم ونحن.
(2)”أيام القتل العادي”، دار النهار.