رأي القدس
Jul 07, 2018
القدس العربي
لا نعلم من هو المخرج الفني (أو قائد الأوركسترا) الذي اختار اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية في 23 ايار/مايو من العام الماضي وبث تصريحات ملفقة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لكنّ اختيار قرصنة موقع إعلاميّ وتقويله ما يستلزم الرد السريع من ثلاث دول خليجية إضافة إلى مصر فيه دلالات مهمة، فالأداة، أي القرصنة، تدلّ على أن مخرج هذه «الملحمة» لا يجد أمراً حقيقيا يبرّر الأفعال الانتقامية الغاشمة التي تلت، والمبالغات الفظيعة التي رافقتها، وكون العملية جريمة إلكترونية، فهذا يدلّ أيضاً على الطبيعة الاستخباراتية للعملية، ويفسّر كل الاستهتار بأشكال القوانين الدولية الذي تبع ذلك.
الاستناد إلى تصريحات مدّعاة رغم تكذيبها من قطر رسميّا، يكشف بدوره، اعتبار مخطط العملية (أو مخططيها) أن تصريحاً مكذوباً هو مبرّر لشنّ حرب عقوبات اقتصادية وسياسية، وفرض حصار شامل، ومحاولة تفكيك بنى اجتماعية وسياسية وقبائلية ودينية قائمة منذ مئات السنين، وإعلان قائمة أكاذيب ورفع شروط تعجيزية تنهي سيادة الإمارة وتجعلها تابعا يدور في فلك دول الحصار.
وقد تفوّق مخرج دول الحصار على نفسه فعلاً حين اختار يوم 5 حزيران/يونيو 2017، مناسبة لإعلان الحصار، فهذا كان يوم العدوان الإسرائيلي عام 1967 على ثلاث دول عربية، ولو عطفنا تاريخ هذا اليوم على الفضائح المتوالية في خصوص تقارب هذه الدول الأربع مع إسرائيل لفهمنا معنى اختيار السادة المخططين والمخرجين لذاك اليوم باعتباره اقتداء بإسرائيل، فتلك هاجمت دولا وشعوبا عربية، وأولئك فعلوا الأمر نفسه.
تكشّفت أمور وتفاصيل غريبة منذ ذلك الحصار، تسمح للمراقب بإعادة قراءة الأحداث بشكل ارتجاعيّ، لا فيما يخصّ قطر وخصومها الطارئين هؤلاء فقط، بل فيما يخصّ المنطقة العربية بأكملها، ويفهم بذلك هذا المسار الدموي والغريب للأحداث في مصر واليمن وسوريا وفلسطين وليبيا وتونس.
مفيد أيضاً أن نلاحظ كيف أن هذا الوضوح السياسي خدم الموقف القطري وجعل الإمارة الصغيرة قادرة على استعادة المبادرة عالميّاً، فبعد فترة مال فيها ميزان الولايات المتحدة الأمريكية إلى دول الحصار، تمكنت الدوحة من استعادة التوازن داخل الكونغرس الذي كانت دول الحصار تستميت لوبياتها داخله لفرض قانون مناهض لقطر، والتقى الأمير تميم بترامب في نيسان/إبريل الماضي، كما حظي بترحيب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو حالياً في زيارة رسمية إلى فرنسا التقى فيها الرئيس إيمانويل ماكرون، وإضافة إلى صدّها الضغوط السياسية الهائلة عالميا، فقد استطاعت الإمارة تجميع تحالف للمتعاطفين معها (أو المتضررين والخائفين من عدوانية دول الحصار) داخل منطقة الخليج، من خلال الكويت وعُمان، كما نجحت في صد التهديدات العسكرية عبر تشديد علاقاتها مع أنقرة، وفكّ الحصار الجوّي والبحري عبر إيران.
في المقابل، ورغم حملات العلاقات العامّة الباهظة للسعودية والإمارات، والتهافت التطبيعي للبحرين مع إسرائيل، فإن دول الحصار تعرّضت لتآكل تدريجي في سمعتها، فسياسة السعودية داخليّاً شابتها أخبار الاعتقال والسجن والابتزاز للأمراء ورجال الأعمال، وتحوّل حجزها لرئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، وبعده قطب الأعمال الأردني ـ الفلسطيني صبيح المصري، ورجل الأعمال الأثيوبي محمد حسين العمودي إلى فضائح مجلجلة، أما الإمارات فلم تتوقّف أخبار انتهاكاتها الهائلة لحقوق الإنسان على أراضيها وفي البلدان المجاورة لها، وتعرّض اقتصاد البحرين لهزّة كبرى، فيما تستمر في مصر فصول مسلسل البطش والقمع والضائقة الاقتصادية والعطش المائي والفساد السياسي.
مبتدأ حكاية قطر وخصومها كان الخبر، والفعل الذي لحقه انقلب على الفاعل.