29-07-2022 | 00:00 المصدر: “النهار”

أم كلثوم.
عام 1961 غنت #أم كلثوم (1898-1975) في #مسرح قصر النيل اغنية من روائعها هي “#أنساك يا سلام” كلمات الشاعر مأمون الشناوي (1914-1994) صاحب الألف أغنية، وأسلوب السهل الممتنع، الذي كتب لعبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان وعبد الحليم حافظ وغيرهم.
هذه الأغنية كانت الأولى من تأليفه لأم كلثوم وسبقتها محاولات لم تكتمل بسبب طلب أم كلثوم تغيير بعض الكلمات ورفض الشناوي ذلك إطلاقا. هكذا راحت “الربيع” و”بنادي عليك” و”نجوم الليل” وغيرها إلى فريد الأطرش (1910-1974) بعد خلافه مع أم كلثوم. ولكن بعد نجاح “إنساك يا سلام” وبعد أن قالت له أم كلثوم “مش حأطلب منك تغيير ولا كلمة”. وبعدما تكررت الزيارات الى بيت أم كلثوم في شارع أبو الفدا في الزمالك غنت له “كل ليلة وكل يوم” 1964 و”بعيد عنك” 1965 من ألحان بليغ حمدي. أما الرابعة فكانت “دارت الأيام” 1970 من ألحان محمد عبد الوهاب. وهناك أغنية خامسة أعطاها لأم كلثوم بعنوان “شوف الدنيا” ولحنها رياض السنباطي لكنها رحلت قبل غنائها فغنتها لاحقا ياسمين الخيام بلحن حلمي بكر.
أغنية “أنساك يا سلام” كانت في الأصل “أهو دا اللي مش ممكن أبدا”، عرفت نجاحا ساحقا، لكنها عرفت أيضا قدرا صعبا. إذ تنقلت بين ثلاثة ملحنين لتستقر عند رابعهم هو بليغ حمدي. فما القصة؟ بدايةً، اختارت أم كلثوم الملحن زكريا أحمد (1896-1961) لتلحينها فأخذ الكلام معجبا ومتحمسا لكنه توفي بعد أسبوعين. ثم اختار مأمون الشناوي الملحن الشيخ سيد مكاوي فعمل على اللحن وأنجزه لكنه اختلف مع أم كلثوم على بعض الجمل اللحنية واللوازم، فإعتذر وغادر بيتها تاركا عوده على الطاولة. وفي المرة الثالثة رشح الشناوي الفنان محمد فوزي (1918- 1966) لتلحين الأغنية. وكانت أم كلثوم تتبع نظاما خاصا في استقبال ضيوفها. في اليوم عينه كان سيزورها بليغ حمدي ومحمد فوزي فدخل بليغ الى الغرفة ووجد على الطاولة كلام الأغنية ووجد نفسه يلحنها. ولما خرج من الغرفة التقى أم كلثوم وفوزي فقال لها: “إسمعي يا ست”. ووجد محمد فوزي يقول: “هو ده اللحن الصح وإنت عملتو أحسن مني”. فانتقلت بالتالي الأغنية الى عهدة بليغ.
هناك قصة ثانية للأغنية رواها الأديب مكاوي سعيد في كتاب “القاهرة وما فيها”. فحواها أن فوزي أخذ الأغنية وعمل لها مقدمة لحنية أعجبت مأمون الشناوي. ولكن لما حضر فوزي الحفل الذي غنت فيه أم كلثوم “حب إيه اللي انت جاي تقول عليه” انبهر باللحن. بعد الحفل اصطحب فوزي بليغ ومأمون الى استديو الشركة وطلب من مأمون أن يقرأ لبليغ المذهب أكثر من مرة كي يتمكن من تلحينه. اسمعها بليغ المذهب فأعجبها. وأشاد فوزي بلحن بليغ قائلا: “أسمعت يا مأمون. المذهب ده أحسن من اللي أنا عملته”. وعندما عرف بليغ أن فوزي لحن هذا الكلام لأم كلثوم ويتنازل عنه برحابة رفض بشدة. لكن فوزي أمره: “بليغ كمِّل نجاحك وخش باللحن التاني على طول”. “وأحب تاني ليه/ وأعمل بحبك إيه/ ده مستحيل/ قلبي يميل/ ويحب يوم غيرك أبدا أبدا”.
هناك قصة ثالثة رواها الناقد طارق الشناوي، إبن شقيق مأمون، يقول: “هو اللحن الثاني الذي جمع بين أم كلثوم وبليغ بعد أغنية “حب أيه”. كان من المفروض أن يلحنه زكريا أحمد لكنه توفي. صار اللحن مع سيد مكاوي ولم يعجبها لحن الشيخ سيد. وكان الثالث محمد فوزي في أول لقاء له مع أم كلثوم، لحن المقدمة ثم رشح بليغ حمدي ليكمل اللحن وبالفعل أعطى بليغ حمدي لحنا لواحدة من أشهر وأجمل وأرق اغنيات أم كلثوم”. لم تنته الملابسات. فبعد أول حفلة كتب صلاح جاهين مقالة بعنوان “أهو ده اللي مش لحنك أبدا يا بليغ”. وكان الرد من مأمون الشناوي الذي قال:” اللحن كله لبليغ ما عدا المقدمة فهي لمحمد فوزي لكنهما اتفقا معا أن لا يتغير شيء”. هل يا ترى عدل بليغ حمدي باللحن أم ترك المذهب والمقدمة كما وضعهما محمد فوزي الذي بدوره اعتبر أن اللحن هو لبليغ حمدي؟ لعلها الأغنية الوحيدة التي وافقت قصتها ما قالته أم كلثوم “كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كله”. والأغنية نفسها كان لها أكثر من حكاية “سنين ومرت زي الثواني” ولا تزال تسمع وتروى ويمسنا الطرب.