الرئيسية / home slide / قتلت أميركا سليماني والآن تقتل “مشروعه”؟

قتلت أميركا سليماني والآن تقتل “مشروعه”؟

18-03-2021 | 00:06 المصدر: النهار

سركيس نعوم

قاسم سليماني

 كان العالم يتوقع أن تبدأ الاتصالات التمهيدية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن برئاسة الأولى مطيحاً بخصمه ومنافسه دونالد ترامب الذي تعتبره الثانية تجسيداً للشيطان الرجيم وعدوّها الأول بعد سحبه بلاده من الاتفاق النووي الموقّع معها. السبب أن بايدن كان نائب الرئيس باراك أوباما الذي أطلق مفاوضات مع إيران وأوصلها الى نهاية سعيدة عام 2015 بتوقيع المجموعة الدولية 5+1 اتفاقاً نووياً معها، وأنه بعد تولي ترامب الرئاسة اعتبر سياسته الإيرانية كما سياساته الدولية مؤذية لأميركا وقد تتسبب بتراجعها على الصعيد الدولي وهذا ما حصل. السبب أيضاً أن بايدن أكد في حملته الانتخابية للوصول الى البيت الأبيض تمسّكاً بموقفه الإيراني المذكور أعلاه.السبب ثالثاً أن إيران أشارت أكثر من مرة الى تفضيلها بايدن في البيت الأبيض والى استعدادها لتحمّل عقوبات ترامب رغم قسوتها وعدم إعطائه فرصة للإفادة من تحاور ما له معها تلافياً لنجاحه في تعزيز وضعه الإنتخابي. كما أنها تصرّفت على نحو يزيد فرص خسارته ولذلك اعتبرت نفسها منتصرةً عليه، إذ ساهمت جدياً في إخراجه من الرئاسة. السبب رابعاً أن بايدن أعطى الإشارة لحلفائه الأوروبيين وفي مقدمهم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا للإعداد لمؤتمر يضم ممثلين رفيعي المستوى للمجموعة الدولية الموقّعة الاتفاق النووي مع إيران ومنهم أميركا، ولاستضافته معتبراً أن انطلاق الأولى في وضع شروط عليه للعودة الى التفاوض تكتيك يرمي الى تقوية موقعها بتعلية سقف مطالبها استعداداً للمحادثات المتوقعة. لكن التوقّع المذكور أعلاه لم يتحقّق. فشروط إيران ازدادت ومعها التصلب والتصعيد العسكري غير المباشر بواسطة وكلائها، ولا سيما ضد المملكة العربية السعودية المتورّطة في حرب اليمن، كما ضد “الجيش اليمني الحكومي” الذي يقاتل داخل بلاده لاستعادة القسم الأكبر منه الذي استولت عليه إيران بواسطة الحوثيين.  ما هو سبب الموقف الإيراني المتشدّد هذا؟ يعتبر “حزب الله” اللبناني الحليف الأول لها في الإقليم، والباني مجدها بعد انتصار “مقاومته” على إسرائيل بطردها من لبنان عام 2000، أن إيران تنطلق في ما يتعلق بعودة المفاوضات حول “الاتفاق النووي” من نقطة أخرى. المسافة بين النقطتين كبيرة. فالقيادة في طهران، استناداً الى متابعي حركتها وحركة إبنها “حزب الله”، تطلب البحث أولاً بعد عودة التفاوض في الماضي أي في الاتفاق الذي وُقّع وعدم التزام أميركا أوباما أولاً وبعده أميركا ترامب بمضمونه في رأيها وعدم تنفيذها الكثير من بنوده. وأميركا تقول استناداً الى متابعي سياستها من واشنطن أنها جاهزة للبدء بالبحث النووي من النقطة التي أرادتها إيران، لكنها في الوقت نفسه أكدت أنها لن تكتفي بذلك، بل سيكون المشروع الإيراني للصواريخ الباليستية بنداً رئيسياً على جدول أعمال القضايا المطلوب التفاوض عليها.للموقف الأميركي هذا سببان، الأول أن الصواريخ الباليستية الدقيقة وغير الدقيقة التي صارت إيران من كبار مصنّعيها في المنطقة تهدّد وعلى نحو جدّي الحليفة الاستراتيجية الأولى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. أما السبب الثاني فهو أن الصواريخ نفسها تهدّد حلفاء أميركا في المنطقة ولا سيما في الخليج. وقد أثبت ذلك تصعيد وكيل إيران في اليمن أي الحوثي مع السعودية باستهدافها وبغزارة بهجمات صاروخية مؤذية على مواقع عسكرية ومرافق اقتصادية مهمة ومناطق مدنية. السبب الثاني أيضاً هو أن صواريخ إيران هذه استهدفت القوات الأميركية في العراق، ولا شيء يمنع أن تُستهدف في وقت لاحق، في حال فشل بايدن في إقناع المرجعية الأولى في إيران بنياته السلمية، القوات الأميركية الموجودة في أكثر من دولة عربية في الخليج مثل السعودية وقطر والبحرين وغيرها. أما السبب الثالث فهو أن إيران قد تُكرّر عدم الوفاء بوعد التفاوض مع بايدن أي أميركا بعد الانتهاء من حل مشكلات الاتفاق النووي لعام 2015 حول المنطقة الملتهبة وغير المستقرة التي تشمل سوريا ولبنان والعراق وغيرها كما حول المنطقة التي قد تقرّر إيران إشعالها.  في هذا المجال يذكر المتابعون لحركة إيران و”حزب الله” لمن نسوا، ويطلعون من لا يعرفون على أمر بالغ الأهمية والدلالة هو أن الراحل الحاج قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) الذي قتلته أميركا في العراق قبل أكثر من سنة، كان وضع خطةً لإقامة قاعدة عسكرية إيرانية صاروخية كبيرة بين العراق وسوريا (منطقة البوكمال)، تستطيع صواريخها بلوغ الدول التي لبلاده وجود فيها مباشر وغير مباشر ونفوذ مثل سوريا ولبنان وربما غزة وغيرها. طبعاً لم تُنشأ هذه القاعدة على الحدود المشتركة السورية – العراقية لأن أميركا قرّرت ومنذ سنوات عدّة ضرورة قطع الاتصال البري العسكري بين إيران وسوريا. وهي لا تزال على موقفها. علماً أن ذلك لا يعني أن خطر الصواريخ الإيرانية على إسرائيل وعلى دول أخرى حليفة لأميركا في المنطقة قد زال. إذ أنها كلها مطوّقة بصواريخ في لبنان وسوريا وغزة والعراق واليمن. وفي المجال نفسه يشير المتابعون أنفسهم الى أن أميركا تريد وقف حرب اليمن، وتقول للحوثيين: “أردتم الثورة والمشاركة في الحكم وحقّقتم ذلك عملياً وستحقّقونه رسمياً لاحقاً. لكن أوقفوا من جهتكم إطلاق صواريخكم المتنوّعة الحجم والمدى على السعودية. ولا تنسوا أننا رفعناكم من على لائحتنا للإرهاب”. لكن الحوثيين لا يزالون يقاتلون بحضّ من إيران ودعم. في أي حال ما يدور في المنطقة الآن هو حرب صاروخية فحلفاء إيران فيها يطلقون الصواريخ على أميركا وحلفائها في الدول المذكورة أعلاه، وإسرائيل تفعل الشيء نفسه ضد أعدائها من حلفاء إيران في سوريا والسعودية في اليمن. طبعاً “قصة” إيران وأميركا طويلة، إذ قبل رفع الثانية عقوباتها عن الأولى بالتزامن مع عودتها الى “الاتفاق النووي” وعودة إيران عن خروقاتها الكثيرة له، لا مجال لأي بحث بينهما في مشكلات الإقليم وأزماته كما في مشكلة الصواريخ. فالأخيرة هي البديل من السلاح الجوي لإيران الذي منعتها أميركا من امتلاكه سواء بتحديث الذي كان أيام الشاه أو بإنشاء سلاح جوي جديد.  

sarkis.naoum@annahar.com.lb