الأكيد أن البلاد لا تشكو قلة المشاريع، بل كثرتها، ولا تشكو كذلك ندرة المشرعين والدستوريين، بل على العكس أيضا. لكن ما تشكوه في الواقع، وهو الأسوأ، أن الذين يتولون تشريع القانون الجديد ليسوا أصحاب الاختصاص، بل هم المرشحون للانتخابات على أساس القانون الذين يتولون سنّه. وهم ليسوا قلة. إذ تشكو البلاد كثرة الطباخين للقانون العتيد، بحيث يتعذر التوصل الى صيغة ترضي جميع الأذواق، وتحافظ على الأوزان والأحجام التمثيلية للجميع من دون استثناء، فلا يخرج فريق رابحا اكثر من غيره ولا يرتضي آخر خسارة تشكل مكسبا لآخر.
وهذه الحال ستبقى قائمة حتى تستنفد المهل، فيسقط المجلس في المحظور، وتعود الخيارات لتترجح بين السيئ والأسوأ، بما ان ما تبقى مما هو مطروح، يترنح من جهة بين تمديد يتسابق المسؤولون على المجاهرة برفضه، وإن كانوا يعون في قرارة أنفسهم ان لا مفر من السير به ولو تحت ذريعة الأسباب التقنية في انتظار إنجاز قانون لا تزال الخلافات قائمة حول هويته وأبوته، ومن جهة ثانية قانون الستين الذي شيطنه الجميع من دون أن يلغيه أحد، بحيث بقي القانون النافذ الوحيد، الذي، وللمفارقة، إن لم تتم الانتخابات على أساسه يتحمل الرؤساء والوزراء مسؤولية مخالفة الدستور، ويمكن أصحاب الحق في الانتخاب أن يسائلوا سلطاتهم عن الذرائع التي دفعتهم الى منع الناخبين من ممارسة حقهم الدستوري، ومن جهة ثالثة إقرار قانون جديد لا يزال في مخاض عسير بفعل ولادة قيصرية لا تنتهي فصولها. وما أن تبرز بوادر انفراج في مكان ما تعجّل في الولادة، حتى تظهر عقدة تعيد الجنين الى نقطة الصفر.
كل هذا يجري وسط تهويل غير مسبوق يرفع احتمالات الوصول الى الفراغ عبر التهديد بحل المجلس النيابي. وأصحاب هذه النظرية يستندون الى اجتهادات دستورية تعتبر أن حل المجلس يمنع التمديد ويسقطه ويمهّد للذهاب الى انتخابات جديدة. ولا يتورع أصحاب هذا الرأي عن دفع رئيس الجمهورية الى هذا الخيار، على قاعدة أنه لم يعد في إمكان الرئيس، بعدما جزم بأن التمديد لن يتم، أن يعود ويرضى به، فقط لأن القوى عجزت عن إنتاج قانون جديد. لأن ذلك يعني ضرب العهد في أول انطلاقته، وإظهار سيده عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته أمام شعبه. وهو عمليا يحصل اليوم في ظل سوق عكاظ الانتخابية.
هذا الواقع المأزوم دفع غالبية القوى إلى تحسس المخاطر التي تتهدد زعاماتهم، خصوصا بعدما رفعت الطائفة الشيعية سقف خطابها (على لسان أكثر من مسؤول فيها) مهددة بأن الفراغ في المجلس النيابي سيؤدي حكما إلى فراغ كل المؤسسات!
في المشهد السياسي للاسبوع الطالع، وفي التسابق الحاصل بين مشروعي رئيس “التيار الوطني الحر” ورئيس المجلس، بات واضحاً تقدم الأخير على صيغة “التأهيلي”. وتؤكد مصادر سياسية متابعة أنه كان لرئيس الحكومة سعد الحريري دور كبير في التقريب بين بعبدا وعين التينة، حتى بلغ الامر قبول جميع الاطراف به، بمن فيهم الوزير جبران باسيل. وكاد الامر ينجح لولا ملاحظات باسيل المتصلة بنقطتين: رئاسة مجلس الشيوخ التي رأى باسيل إسنادها الى الأرثوذكس، وصلاحيات المجلس، فتم اقتراح طرح الموضوع على التصويت، الامر الذي توجس منه التقدّميون خوفا من أن يذهب التصويت لمصلحة الارثوذكس فتطير الرئاسة من يد الدروز، ومن أن يؤدي التصويت الى الذهاب مجددا الى التأهيلي بدلا من النسبي، كما اقترحه رئيس المجلس.
وتقول المصادر إن توجس جنبلاط أدى الى تجميد النقاش، علما أنها المرة الاولى تلتقي 4 قوى أساسية على المشروع (بمن فيهم الثنائي الشيعي و”تيار المستقبل” و”القوات”). وعليه، تكشف المصادر أن ثمة اتجاها قويا لإنجاز قانون الانتخاب، وإن من خلال التوافق على أطر عامة يجري تفصيلها لاحقا، بحيث تقر الهيئة العامة في 15 أيار الأطر العامة لقانوني الانتخاب على الأساس النسبي ومجلس الشيوخ، ويمدد للمجلس الحالي لفترة “تقنية” من أجل الانتقال الى تفصيل المشروعين ووضع بنودهما القانونية وآليات تطبيقهما.
وتتوقع المصادر ان يتم ذلك في جلسة الحكومة الخميس في قصر بعبدا، وإلا، ستصبح قصة القانون مثل قصة اللوتو: “إذا مش الخميس، الاثنين”!