
سعد الياس
القدس العربي
22072021
بيروت-“القدس العربي”: قد يكون عيد الأضحى في لبنان هذا العام من أكثر الأعياد مرارة على الناس في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي تزداد تأزماً، وقد عبّر كثيرون عن معاناتهم وأسفهم وقهرهم بسبب تحويل المنظومة الحاكمة بلد الاحلام إلى جهنّم حقيقية.
وإذا كان عدد كبير من اللبنانيين يغتنم في السنوات الماضية عطلة الأضحى التي تمتد لثلاثة أيام للسفر وتمضية الإجازة في الخارج سواء في تركيا أو الأردن أو شرم الشيخ أو اليونان وسواها من الدول التي لا تحتاج إلى تأشيرة دخول، فإن الأحوال المادية وارتفاع سعر صرف الدولار أعاقت هذه السنة القيام بمثل هذه المشاريع لصالح تشجيع السياحة الداخلية ساحلاً وجبلاً.
ويعتمد أصحاب المنتجعات السياحية على اللبنانيين المغتربين الذين يعودون في موسم الصيف لتمضية العطلة بين أهلهم وأقربائهم والمزوّدين بالعملة الصعبة سواء كانت الدولار أو اليورو، حيث بات المغترب أو السائح الأجنبي أو العربي يجد لبنان من الدول التي بإمكانه قضاء إجازته فيها بأسعار معقولة قياساً إلى انهيار الليرة اللبنانية.
ومن الأماكن التي يرغب السائح العربي أو الاجنبي أو المغترب اللبناني زيارتها والتمتّع بمناخها المعتدل صيفاً، منطقة فقرا التي تُعتبر في الشتاء إيضاً مقصداً لهواة التزلّج والتمتّع بالثلج. وقد لوحظ أنه مع انقطاع التيار الكهربائي وبدء التقنين في اشتراكات المولّد فضّل العديد من أبناء العاصمة التوجّه إلى المناطق الجبلية لاستئجار منازل في فصل الصيف أو لحجز غرفة في فندق، الأمر الذي يقيهم من حرارة الصيف في المدينة والساحل.
وقد توجّهت”القدس العربي” إلى منطقة فقرا في كفردبيان التي تُعتبر نقطة جذب سياحية وبيئية وجمالية، وتحافظ على رونقها وتكاد تحفظ للبنان لقبه الشهير” سويسرا الشرق” نظراً للاهتمام بالطبيعة والورود على طول الطريق داخل النادي، ونظراً للجو المنعش على منحدرات جبل صنين.
ومن يدخل إلى نادي فقرا الذي يتميّز بشعاره”الحياة في القمة”، يلاحظ انتقال العديد من أصحاب المطاعم والمقاهي الذائعة الصيت في بيروت إلى فقرا لفتح فروع لها داخل النادي إلى جانب العديد من المحلات التجارية التي استأجرت أكواخاً خشبية أو أكشاكاً لتسويق بضاعتها ومنتجاتها خصوصاً أن زوّار فقرا يُعتبرون في العادة ميسوري الحال وقادرين على التبضّع وارتياد المطاعم التي باتت فاتورتها مرتفعة.
وهكذا يمكن القول إن اللبناني الذي يعاني ما يعانيه لا يوفّر فرصة لعدم الاستسلام للأزمات الاقتصادية الخانقة وللاستمرارية وعدم إقفال أبواب رزقه، وهذا ما جعل الأكواخ الخشبية تمتد على مسافة طويلة ويجد فيها الزائر كل ما يطلبه تقريباً، ولكن من يحمل الدولار سيجد الأسعار مناسبة له أكثر.
داخل النادي فندق يُعرَف بإسم L’auberge De Faqra وهو محجوز بالكامل لغاية نهاية شهر آب/أغسطس بحسب مالكة نادي فقرا ليليان رحمة التي قالت لـ”القدس العربي” الفندق ممتلىء وزبائننا المعتادون على الفندق وعلى الصيفية يستأجرون لمدة شهر وبعضهم لعطلة الأسبوع أو في منتصف الأسبوع. إنما بالعادة في مثل هذه الأيام تكون حركة الناس أكبر فيما هي أخّف هذه السنة من تلك التي كنا نراها قبل حتى أصحاب المنازل في فقرا غابت نسبة غير قليلة منهم لأنهم هاجروا وتركوا البلد. وربما أثّرت أزمة البنزين على الراغبين بزيارة فقرا من بيروت ومن أماكن بعيدة، فقد بات بعضهم يحسب حساباً للمشوار إلى فقرا”.
وعن الإقبال في عيد الأضحى هذا العام وإذا حصل تعديل في الاسعار بسبب ارتفاع الدولار قالت” الإقبال إلى النادي في عيد الاضحى جيد لكنه ليس كالسنوات السابقة، وبالنسبة إلى الأسعار طبعاً حصل تعديل وكنا ملزمين بذلك بسبب الفارق في سعر الدولار”.
وهل تذمّر البعض من الأسعار الجديدة قالت” لم يكن هناك تذمّر بمعنى التذمّر لأن الناس صارت مدركة لواقع البلد والدولار، ونحن بقينا نراعي بالقدر المستطاع عدم رفع الأسعار بشكل كبير حتى يبقى لدى الناس القدرة أن تقصد النادي وتكون مرتاحة”.
وعن رسالتها في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية تجيب ليليان رحمة”نحن كشعب نحاول أن نقاوم بالقدر المستطاع للبقاء على قيد الحياة To Survive، فنحن لا نطلب الربح ولا أن نسترد الاستثمار بل كل ما نطلبه حالياً هو أن نتمكّن من دفع رواتب الموظفين وتأمين متطلبات النادي، فلا يمكن الاتكال لا على دولة ولا على مساعدة أحد ولاسيما في مجال قطاع السياحة، لأنهم يعتبرون لبنان بلداً سياحياً، ولكن مع الأسف دولتك لا تساعدك في هذا الشيء. فلا يؤمنون لك الكهرباء ولا الحد الأدنى التي يتطلّبها موسم السياحة، لذلك نعتمد دائماً على أنفسنا ولن نستسلم قدر ما يمكننا، وسنبقى نقول إن هذا البلد تليق به الحياة ويحتوي على مراكز سياحية رائعة تستحق أن تكون مقصداً للسيّاح، وسنبقى نقدّم الوجه الحضاري للبنان لأنه مع الأسف السياسيون يظهرون الصورة البشعة للمجتمع الدولي، وكل أملي هو أن نستطيع إيصال صورة لبنان الحضارية وإرادة شعبه الذي يواجه التحديات والقادر على الوقوف على رجليه إذا أتيحت له الفرصة”.
أما روّاد نادي فقرا الذين تحلّقوا حول حوضين للسباحة داخل النادي أحدهما محصور بنزلاء الفندق والآخر La Piscina غير محصور بالنزلاء بل هو مفتوح أمام السيّاح وأمام المقيمين في منازل النادي، فقد عبّروا عن أملهم في أن يجتاز لبنان هذه المحنة، وألا يسيطر اليأس على الناس على الرغم من كل الأزمات. وقالوا إنهم خرجوا من بيوتهم للتمتّع بشمس فقرا وبحوض السباحة داخل النادي الذي يُعتبر من أجمل الأحواض لأنه يقع داخل حديقة تزيّنها أشجار أرز باسقة ومساحات من الغازون، وبإمكانهم أن يتناولوا الطعام والمشروبات والمرطّبات وهم مستلقون داخل الحوض الذي يتمتّع بمياه دافئة لا تتوافر في كل الأماكن نظراً لفقدان مادة المازوت وللتكلفة التي تتطلّبها تدفئة المياه.