الرئيسية / home slide / في ذكرى ميلاد الراحل يوسف شاهين… عاشق السينما والحرية والاسكندرية

في ذكرى ميلاد الراحل يوسف شاهين… عاشق السينما والحرية والاسكندرية

31-01-2023 | 12:08 المصدر: القاهرة- النهار العربي

حسين عبدالرحيم

يوسف شاهين

يوسف شاهين

في 25 كانون الثاني (يناير) من العام 1926، ولد المخرج يوسف شاهين (توفي في تموز/ يوليو 2008)، الذي شكّل حالة فريدة وخاصة جداً في السينما العربية والعالمية. 

وتزامنًا مع ذكرى ميلاده الـ97، نتوقف عند شخصية “جو” الذي ولد وعاش مطلع شبابه في الأسكندرية ضمن عائلة مسيحية كاثوليكية من الطبقة المتوسطة.

والده لبناني من مدينة زحلة (شرق لبنان) وأمه من أصول يونانية هاجرت أسرتها إلى مصر في القرن التاسع عشر.

ومثل معظم الأسر التي عاشت في الإسكندرية خلال تلك الفترة، كانت هناك لغات عدّة داخل بيت يوسف شاهين.

وعلى الرغم من انتمائه الى الطبقة المتوسطة، الا أنّ “أسرته كافحت لتعليمه”، بحسب حديث للفنانة محسنة توفيق عن جو. فالعائلة اختارت له أهم المدارس الخاصة في مصر حينها وهيكلية فيكتوريا، التي حصل منها على الشهادة الثانوية. وهذه المدرسة هي التي درس فيها عمر الشريف وأحمد رمزي أيضاً.

بعد إتمام دراسته في جامعة الإسكندرية، انتقل إلى الولايات المتحدة وأمضى سنتين في معهد باسادينا المسرحي “باسادينا بلاي هاوس” Pasadena Play House حيث درس فنون المسرح والسينما ليعود الى القاهرة وقد أعدّ نفسه لإخراج فيلم “إبن النيل”، من بطولة فاتن حمامة وشكري سرحان.

لغة شاهين البصرية كانت متفردة منذ البداية، وشكلت تجربة فارقة وخارجة عن المألوف. فكان هو المخرج وكاتب النص وصاحب الرؤية في العمل الذي يشتغل عليه، ولهذا اعتاد أن يكتب في التيتر “فيلم ليوسف شاهين”، بدلاً من الاكتفاء بالجملة التقليدية “إخراج” فلان أو علاّن.

تأرجح هواه السينمائي ما بين تيمات كلاسيكية مثل الهجرة للمدينة والضياع والتمرد، فيما احتلّت مدينته الإسكندرية حيّزاً كبيراً في أفلامه الحائزة جوائز عالمية مثل “اسكندرية ليه؟”، ثم “حدوتة مصرية”، و”اسكندرية كمان وكمان”، و”اسكندرية نيويورك”…

وفي لقائي مع يوسف شاهين، عقب بدء بروفات مسرحية ” كاليغولا” في مسرح الكوميدي “فرانسيز” في باريس العام 1991، سألته وهو جالس في مكتبه في القاهرة عن رمزية “الإسكندرية” في حياته الشخصية والإبداعية وسرّ اشتغاله الطويل عليها فنياً وسينمائياً، فكان جوابه: “ولدتُ في الإسكندرية وأنا عاشق لها منذ الطفولة وما زلتُ شغوفاً بها كما دائماً. هذا بالإضافة الى انبهاري بشخصية الاسكندر الذي بحثت عنه كأنه ميراثي. وفي فيلم “إسكندرية ليه”، ثمة محاولة جادة مني للبحث عن مكان حقيقي ولد فيه الإسكندر”.

وعن الصفة التي أحبّ أن يبرزها شاهين عن مدينته من خلال أعماله السينمائية، أجاب إنّه قدّمها في ثلاثية عمره “حدوتة مصرية، إسكندرية ليه وإسكندرية كمان وكمان”، وأنه أحبّ توضيح مكانة المدينة ودورها كعاصمة للعالم ومركز للتلاقي والتسامح والمحبة، باعتبار أنها جمعت كل أطياف الدنيا وعشرات الجاليات من أوروبيين ومسيحيين ومسلمين ويهود، فشكّل الإنصهار داخل بوتقة واحدة مفهوماً لمعاني الانفتاح والتعايش. وهذا ما جعله فناًناً عاشقاً لـ”لآخر”.

وأكد خلال ذاك الحوار أنّ علاقته بالآخر هي ما دفعته الى الركض خلف حلمه، وإن كان وراء البحار.

حملت بعض أفلام شاهين بعداً سياسياً. من “عودة الإبن الضال”، حتى أحدث أفلامه “هي فوضى” الذي تنبأ فيه بثورات الربيع العربي والإنفلات الأمني في مصر في 2011. وكان فيلم “عودة للإبن الضال” مهماً لجهة أنه استشرف التراجع والتمزق العربي عقب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. وهذا المنحى السياسي في أفلامه ترك شاهين في حالات خصام وعناد مع السلطات المصرية ورؤسائها في حقبات تاريخها السياسي في حين أنه لاقى الكثير من النجاحات والتكريمات والجوائز العالمية منها الدب الفضي من مهرجان برلين عن فيلمه الأثير “اسكندرية ليه”، مطلع الثمانينات.

في مجمل أفلامه، كان شاهين يهتمّ بانتقاء أبطاله، علماً أنه هو مُكتشف الكثير من النجوم وأبرزهم عمر الشريف. وكان “جو” يرى أنّ مجمل الممثلين الذين أسند اليهم دور البطولة من شكري سرحان في “ابن النيل” ومروراً بفريد شوقي أو هند رستم في “الباب الحديد” ومحسن محي الدين وسيف عبد الرحمن وعلي محرز وماجدة الرومي وهشام سليم وعمرو عبد الجليل ونور الشريف وأحمد زكي ونجلاء فتحي ويسرا ومحمود حميدة والمليجي، شكلوا منظومة لاستكمال نظرته للإنسان العاديّ في الحياة، بحسب ما قال “جو” يومها في الحوار، مؤكداً أنه تأثر بمحمود المليجي، العظيم والبسيط في الوقت نفسه، وهو الذي تعاون معه أكثر من أي ممثل آخر في آخر أفلامه. ويذكر أنّ أحمد زكي ترك أيضاً أثراً في نفسه.

ولا يعتبر شاهين أن أعماله هي مجرد أفلام بل “هي نبضات روحي تنفستها عبر مسيرتي الحياتية والفكرية الثقافية”.

المعروف عن جو “عصبيته التي لا تحتمل”، فكيف كانت طريقته في التعامل مع النجوم؟ هذا من ضمن أسئلة كثيرة كانت تُحاصره غالباً، وحين سألته أجاب: “لم أتعامل مع ممثل أو موسيقي لغايةٍ معينة أو بهدف الفن الخالص. فلا بد أن تكون هناك حالة من الوفاق والتعاطف والحب المتبادل وهذا ما حدث مثلاً مع محمد عبد الوهاب في “كيلوباترا”، والذي قابلته بالصدفة في الطائرة وأنا عائد من باريس فحدثته عن احتياجي لاستخدام موسيقاه لقصيدة كيلوباترا في فيلمي “إسكندرية كمان وكمان”، لأنني كنت وما زالت أرى نفسي انطونيو الحالم الباحث عن الخلاص وهذا ما حدث مع آخرين.

خاض شاهين في العام 1991 تجربته المسرحية الأولى التي عرضت لمدة 6 أشهر على مسرح الكوميدي فرانسيز عن النص المتفرد لألبير كامو، وكنت سألته عن علاقته بالمسرح فأجاب: “تقديم المسرح في باريس كان حلماً يراودني منذ عشرين عاماً وأكثر، وهذه تعتبر المرة الأولى التي يتم فيها اختيار مخرج عربي أو مصري لإخراج مسرحية فرنسية. فبعد أن أمسكت بنص “كاليغولا” لأكثر من عام انفتحت مساماتي بإثارة من هذا النص البديع الذي كتبه كامو عام 1945 وفيه يطرح مفهوم “الحرية” في المطلق، عقب اشتراك الكاتب بالقول والفعل في مقاومة الاحتلال النازي لبلده فرنسا، وقد لاقت عند تقديمها للمرة الأولى حفاوة بالغة حتى انه بات يردد وقت إخراجها الأول (ما زلت أحيا) … وموت البطل هنا لا يعنى موت “الكاليغولاية” في نفوس الطغاة والمستبدين”.

وكان شاهين يرى أن كامو دعا المبدعين الى الاستمرار في مقاومة كل ألوان الاستعباد والقهر لأنّ الإنسان لا بد أن ينعم -في كل مكان وزمان- بالحرية و الكرامة والعدل.

هذه المسرحية حققت وقت عرضها احتفاء فرنسياً جمهوراً ونقداً وصحافةً لكنّ الإعلام المصري لم يهتم كثيراً بهذا الحدث الذي اعتبر فرنسياً، ما صدم شاهين الذي لم يقرأ أي تنويه أو خبر أو احتفاء باختيار مخرج مصري لإدارة مشروع مسرحي مهم وفريد من نوعه. وأكد في هذا الحوار أنّ ثمة موقفاً إعلامياً مصرياً يهدف إلى تصفيته واستنزافه في الوقت الذي يعانى فيه الكثير من الآلام  النفسية أو الجسدية بعد تفاقم مشكلة القلب عنده أثناء إجراء بروفات كاليغولا ورفضه نصائح وإرشادات الطبيبين الإنكليزي والفرنسي المعالجين مُصرّاً على الانتهاء من البروفات والبقاء في باريس أكثر من خمسة أشهر حتى موعد الافتتاح، ومع ذلك، لم يحدث أن وصلتني مجرد رسالة  مواساة.