
- نبيل بومنصف
- 13 أيار 2020 | 00:04
النهار

لم يعد يصح الاندهاش بما تنتجه “السياسة” اللبنانية وتقدمه في صحون يوميات ازمة خيالية كتلك التي تسحق لبنان وجعلت “النيويورك تايمس” ترثي لحال اللبنانيين الذين يبيعون خواتم الزواج ليأكلوا، فمعظم مجريات هذه السياسة تتأتى أيضا من تهالك الهيكليات السياسية واهترائها دون تمييز بين منتصرين ومهزومين. أحدث نماذج الانفجارات السياسية التي أخرجت اللبنانيين من حصار الحجزَين الدائمَين اللذين يطبقان على انفاسهم منذ تزاوجت كارثتا الإفلاس المالي وانتشار كورونا، تمثَّل بما يمكن ان يعدّ خبراً مفرحاً لمجتمع الانتفاضة اذا قُيّض لهذا المجتمع ان ينفض عنه أيضاً خطر اندثار تصاعدت معالمه بقوة في الأشهر الأخيرة. الانفجار الحاصل ضمن التحالف السلطوي بين العهد وتياره وأحد ابرز الأقطاب المسيحيين في قوى 8 آذار زعيم “المردة” سليمان فرنجية، لا يقل جسامة في توقيته وتردّداته عن نذير تفكك واسع وعميق في معسكر ظنّ قبل مئة يوم انه أحكم سيطرته بالكامل على السلطة والسياسة، وبدأ يمنّي النفس بانقلاب اقتصادي مالي يمكّنه من تحقيق الضربات الحاسمة لبقايا نفوذ خصومه في الدولة. هذا الجاري منذ اندلاع حرب الوردتين على خلفية ملف ملتهب تتمازج فيه قضية الفساد المتراكم منذ سنوات بعيدة في فضيحة الفيول المغشوش بواقع الحمايات السياسية في مناهضة توظيف القضاء او بعضه للاقتصاص من الخصوم، ينبئ بما هو اهم حتى من العنوان السخيف المتعجل لمعركة الرئاسة المبكرة. هذه المرة لا يقتصر الامر على انفجار الاعتمال المزمن بين فرنجية ورئيس الجمهورية وصهره المرشح النّد الأساسي، بل يتمدد الانفجار الى طبيعة الوهن المتراكم والأعمق مما يظن كثيرون في تحالف العهد وقوى 8 آذار الذي يشكل “حزب الله” قاطرته وعماده الأساسي، بما يسلط الضوء بقوة على نقطة أساسية في خلفية مطالع الانهيار هذا تتعلق بسؤال عما اذا كان هذا التحالف فقد بدوره رابطة عقده وربما وظيفته الإقليمية. لعلنا لا نكبّر الحجر في إسباغ بُعد كهذا على ما يظن كثيرون انه مجرد انفجار في تصفيات حسابات ضيقة جارية بين العهد وتياره من جهة، وزعيم “المردة” من جهة مقابلة. لا تنفجر علاقات مماثلة بهذا المنحى الشرس الذي عكسه سليمان فرنجية في هجوم اعلامي غير مسبوق بهذا المستوى من الحدة، لو كانت رابطة الحد الأدنى التي اعادت جمع تحالف قوى “الممانعة” لا تزال تحكم واقع تشكيل حكومة حسان دياب. النظر الى الانفجار السياسي المتدحرج داخل تحالف العهد وقوى 8 آذار يمليه رصد تبدلات واضحة تماما في اوضاع “حزب الله “وسلوكياته ولهفته الدائمة على حماية الحكومة كأنها عرضة في أي لحظة لاستهدافات تحتاج معها الى رافعته ودعمه. والاهم ان انغماس الحزب للمرة الأولى في مسائل تفصيلية داخلية كانت سابقا لا تلقى منه سوى المكابرة وتركها لحلفاء آخرين، يثير الكثير مما يتعين رصده بتركيز في المرحلة الطالعة مع كل ما يثار عن إعادة ايران لتموضعها العسكري والاستراتيجي في سوريا حيث تشكل وظيفة الحزب الإقليمية بيضة القبان في واقع تأثيره ونفوذه وقوته. سابقاً هوى تحالف قوى 14 آذار بفعل الانقسامات الهائلة التي استدرجها اقطاب التحالف السيادي لأنفسهم في الصفقة الرئاسية التي أوصلت العماد عون الى بعبدا. مع الانفجار الحاصل الآن نحن امام ملامح تفكك ذي دلالات اقوى وابرز واشد تأثيرا على رسم ملامح المرحلة المقبلة. وليست معركة الفيول سوى رأس جبل الجليد.