عبدالوهاب بدرخان
النهار
28112018

في العراق يشكّلون الحكومة ويوافق البرلمان على أعضائها وزيراً وزيراً، وحدث أن بقيت حقائب شاغرة فتولّاها رئيس الوزراء في انتظار حلٍّ للخلافات. وإذا تعذّرت الحلول يفضّل الأفرقاء هذه الصيغة ليستخدموها في نيل مصالحهم بالابتزاز، لئلا يُسمّى أي منهم مسؤولاً عن تعطيل عمل الحكومة، ولئلا يُحسم الخلاف لمصلحة الفريق الآخر. ما حتّم الأخذ بهذه الوصفة هو العقل أو بالأحرى اللاعقل السياسي الايراني الذي وجد فيها بدعة عملية لتثبيت نهج “فرّق تسد” ليس بين الطوائف والمذاهب وداخل كل طائفة ومذهب، فيضمن بذلك عدم تقارب مَن فرّقهم وصعوبة توحّدهم في الولاء للدولة والأهمّ استحالة رضوخهم لسلاح شرعي واحد وجيش وأمن يستمدّان شرعيتهما من الدولة. هذه وصفةٌ لا تصلح للتعميم أو التصدير، إذ رُسمت لخدمة الهيمنة الايرانية أولاُ وأخيراً، وتبيّن بجلاء أنها إقرارٌ علني بأن الدولة مؤجّلة الى حين إقرار المجتمع بكلّ مكوّناته بأن لا سبيل أمامه سوى الخضوع لـ “الوليّ الفقيه”.
لم يعد ارتباط المسارَين الحكوميين في بغداد وبيروت مجرّد تكهّن، وإذا اختلفت التفاصيل فإن الأهداف تتطابق. في 6 أيار الماضي أجريت الانتخابات في لبنان، وفي السابع منه ظهرت معالم شروط “حزب الله” على الحكومة المقبلة و”فيتواته” على تمثيل “القوات اللبنانية” والحزب الاشتراكي والسنّة، وعلى الحقائب التي يتولّاها ممثلوهم. لم يُؤخذ بأي تسوية إلا بموافقته، وقد تظاهر بـ “تنويم” عقدة “سنّة 8 آذار” الى أن استخدمها كقنبلة موقوتة لعرقلة ولادة الحكومة. في 8 أيار بدأت مرحلة جديدة تستدعي تشدداً ايرانياً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والعودة الى نهج العقوبات. في 12 أيار أجريت الانتخابات في العراق وسط صراعٍ مكشوفٍ بين شيعة موالين لإيران وشيعة موالين للعراق، وبذل قاسم سليماني جهداً ووقتاً لتأمين نوع من “التوافق” بين الفريقين ولإعادة السيطرة على موقف الاكراد لترجيح كفّة ميليشيات “الحشد الشعبي” على حساب “التيار الصدري”، وكذلك للتحكّم بمن يتولّى وزارتي الداخلية والدفاع.