مجد بو مجاهد
المصدر: “النهار ”
أيار 2017 10
إذا ما اردنا البحث عن التفصيل الأول الذي يلخّص خبايا شخصية سيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون، نقول صراحةً إنها المرأة العاشقة التي تزوّجت رجلاً يصغرها بأربعٍ وعشرين سنة. ما لبثت أن سكنت قصر الاليزيه في عامها الثالث والستين. وبين زوجة الرئيس وزوجة الشاب اليافع، هل يصحّ القول إن “مادام بريجيت “سيدة محظوظة”، أم أنها زوجة رجلٍ محظوظ؟ يعود بنا الزمن الى أوائل التسعينيات، عندما التقيا للمرّة الأولى في مناسبة ورشة عملٍ لمسرحية كانت بريجيت تديرها شخصياً لمصلحة مدرسة بروفيدانس الثانوية الخاصة، وكانت يومها متزوجة من المصرفي أندري لويس أوزيير، بعد ارتباطها به في الثامنة عشرة، وأنجنبت منه ثلاثة أولاد. أعجبت مدرّسة الآداب الكلاسيكية بشخصية تلميذها الهادئ والمهذّب، وكانت تعتبره قدوةً في الصف، هو البالغ يومها 15 سنة كما ابنتها البكر، لورانس.
في الشكل الخارجي، مقارنة بريجيت ماكرون بكارلا بروني أو ميلانيا ترامب تظلمها ظاهرياً. لكن لا. انها تعطيها زخماً ودفعاً في أنها امرأة مميزة، أثبتت نفسها بشخصيتها لا بقامةٍ ممشوقة قد تكون قشرةً تغلّف محتوى فارغ المضمون. عيناها زرقاوان، تسريحة شعرها تشبه الى حدّ بعيد ميراي دارك. بساقيها النحيلتين، غدت بريجيت نجمة غلاف مجلة “باري ماتش” مرتديةً ثوب سباحةٍ أزرق منقّشا الى جانب زوجها الشاب، في صورةٍ التقطت خلسةً لهما على شاطئ البحر. ورغم أن تلك المشهدية أغاظت نساءً انتقدن اطلالة المرأة الستينية وسخرن منها، الا أنها نالت اعجاباً واسعاً في صفوف كثيراتٍ وجدن فيها بطلة تكسر الحواجز بين الأجيال.
مهنياً، تعتبر بريجيت ماكرون أكثر من مجرد أستاذة. إنها تمتلك عقلاً راجحاً ورأساً ممتلئاً كما وصفها موقع “سود أويست” الفرنسي. درّست مادة الإنسانيات الكلاسيكية في باريس ثم ستراسبورغ، قبل أن تعود لتستقر في مسقط رأسها سنة 1991، حيث درّست الفرنسية واللاتينية في مدرسة بروفيدانس اليسوعية العليا. تلاميذها يصفونها بالمعلمة الشغوفة والمحبة لما تدرّسه. وهي لم تتوقف عن التعليم سوى سنة 2015 مخصصةً وقتها كاملاً لزوجها وذويها، وتشكّل تالياً دعماً معنوياً كبيراً لماكرون في خضّم حياته السياسية. كما ساهمت في انخراط زوجها في عالم المسرح والسينما والآداب، مشرعةً له أبواب التعارف على روّاد عالم الفنون في فرنسا. عائلياً، تنتمي بريجيت ماكرون الى أسرةٍ نبيلة من منطقة أميان. والدها كان بروفيسوراً في علم العصاب في جامعة أميان ووالدتها طبيبة متقاعدة في الضمان الاجتماعي.
ولعل الدعم الأكبر الذي قدّمته للرئيس المنتخب تمثّل في جملةٍ فكاهية قالت فيها إن على “ايمانويل أن يفوز في هذه الدورة من الانتخابات الفرنسية، فهل تتخيلون شكل وجهي في حال تأخر النجاح خمس سنواتٍ”؟ فعلاً، إن بريجيت لم تكن لتنتظر، فهي اليوم “تيتا” لسبعة أحفادٍ صغار، تراوح أعمارهم بين 18 شهراً و11 سنة. هذه الأجواء العائلية الدافئة، تظهر تعلّق الجدّة بأسرتها الصغيرة، حيث يقضون أوقاتاً ممتعة في منزلها الذي ورثته عن والدتها في منطقة توكي.
ويبقى السؤال الجوهري حول الدور الرسمي الذي ستضطلع به بريجيت ماكرون بصفتها سيدة أولى. أجاب رئيس حزب “أون مارش” يومها على هذا الطرح، لصالح قناة “إر تي إل ” بتاريخ 3 آذار 2017، أنه في حال نجح في الوصول الى قصر الاليزيه فزوجته ستكون خير ممثلٍ لموقع السيدة الأولى.
سيّدة أولى مختلفة
سياسياً، هناك فرضية تقول إن بريجيت ماكرون ساهمت في إيصال زوجها الى مركزه السياسي الحالي من خلال سلطة معارفها وعلاقاتها الشخصية، فيما فرضية معاكسة تعتبره رجلاً عصاميّاً استطاع بفضل ذكائه وتصميمه تحقيق أهدافه السياسية منها والشخصية. ووفق الخبير في الشؤون الفرنسية الدكتور بول بركات، اذا ما عدنا سنوات الى الوراء، نجد أن تأثيرها كان مباشراً عليه، وتالياً هي من صقلت شخصيته، وسبق أن صرّح أنه وفيٌّ لحبّه لها حتى الرمق الأخير. ويقول لـ”النهار” إنه عندما يتأثر الانسان بامرأة تكبره بعشرين سنة في عمر المراهقة، شخصيته تصقل من خلالها. وهي ابنة عائلة بورجوازية مالكة ومثقفة ومتمولة، مما أعطاه زخماً نحو الأمام، كما أي رجل تنقلب حياته الشخصية بعد زواجه من امرأة مثقفة ونافذة. لكنه في النهاية عصامي يعلم ماذا يريد، اذ انه تخرّج من مدرسة مرموقة وعاد ليلفت أنظار المصارف الكبيرة في فرنسا فعمل لدى مصرف روتشيلد، ما يدل على ذكاءٍ وحنكة كبيرين. ومهنياً، لا شك في أن تاريخه الشخصي ومعارفه في اللوبي اليهودي والفروماسوني، وفق بركات، هي ما ساهمت في وصوله السريع الى سدة الرئاسة.
وفي توصيف صورة الثنائي يعتبرها بركات غير كلاسيكية، بالنسبة إلى مفهوم العائلة، اذ “لا أجد أنه ثنائي منسجم، وأنا أتكلم هنا كطبيب، اذا كنا نعتبر أنه أحبها في عمرٍ قاصر، هذا الخطأ الأول الذي اقترفه في العلاقة. ولا ننسى أنها تكبره بـ20 سنة، ما يعني أن صورة العائلة مهتزّة لأنها تفتقر الى الأولاد، والفرنسيون المحافظون كانوا يفضلون أن يروا مشهدية مختلفة لرئيسٍ يجسد قيم المجتمع التقليدية لأن لا مستقبل من دون أبناء. هذا يعني أن صورة الثنائي هنا لا تخدم سوى قضيتهم الشخصية”. ولكن، هل تترجم خبايا هذا الهجوم عليها لكونها امرأة؟ فلو عكسنا المعادلة، لوجدنا أن زواج رجلٍ من امرأة تصغره بعشرين سنة ما كانت لتنال هذا الكم من الانتقادات، وتجربة دونالد ترامب ونيكولا ساركوزي خير دليل. يجيب بركات: “لا شك في أنها امرأة مختلفة لأنها مثقفة وهي معلمة لغة فرنسية قادمة من عائلة بورجوازية وليست مغنية ككارلا بروني او عارضة أزياء كميلانيا ترامب. وأبناء عائلات فرنسا البورجوازية ضليعة في اللغة والتاريخ. لكن في النهاية المجتمع الفرنسي لا ينظر الى ذكاء السيدة الأولى وانجازاتها الشخصية، بل من موقعها كزوجة الرئيس لا أكثر وليس لها أي سلطة شخصية، وهذا ما قد يكون مختلفاً مع بريجيت ماكرون”.
يصرّ ايمانويل ماكرون على القول إنه يحقق كلّ هدفٍ يريده في حياته. لم يردعه أحدٌ من الفوز بحبّ حياته، رغم غرابة القصة واستحالتها. ولا أحد وقف في طريق وصوله الى سدة الرئاسة من أول دورةٍ ترشّح فيها، ليكون تالياً الرئيس الأول في سن التاسعة والثلاثين. تبدو الأيام واعدةً أمام الشاب العنيد المتفوّق. قلب بريجيت وقلب الاليزيه خاتمين في إصبعه، فهل عين ماكرون هذه المرة على قلب العالم؟