24-06-2022 | 00:00 المصدر: “النهار”


من أحد أفران بيروت (تعبيرية- “النهار”).
لم تُستعمل كلمةٌ في السنوات الثلاثة الماضية كما استُعمِلَت كلمة “فساد” وأخواتها. لكنّ #الفساد في #لبنان ليس وليد الأمس. كامل مروّة، الصحافي اللبناني الذي اغتيل في ستّينات القرن الماضي، كتب في العام 1952 في صحيفة “الحياة” هذه الكلمات بعنوان “مش أنا”: “إننا نشهد في هذه الأيام معركةً إسمها “مش أنا”. فبين رجال الحكم من أركان ووزراء ونوّاب مسابقةٌ فريدة من نوعِها، غايتُها منع تحديد التبعات في الفساد الذي تشكو منه البلاد، بالتنصّل منها دون تعيين المسؤولين”.
في لبنان فسادٌ مستحكم منذ عقودٍ، لكنّ الفساد الذي حصل آخر ثلاثين سنة صار وقحاً بلا خجل ولا وجل. من هُم الفاسدون؟ وما هي أنواعهم؟
الفاسد الأوّل هو فاسدٌ كبير. هو يخوض غمارَ عشرات التلزيمات والتنفيعات والتوظيفات الجماعيّة و”مِش فارقة معو”. “إيدو طايلة”. لا يوقّع قراراً بتلزيم طريق من دون أن يكون شريكاً. لا يسمح لكَ باستيراد موادٍ معيّنة لصالح الدولة من دون أن يضمن الكوميسيون كاملاً ونقداً. كبار المقاولين أصدقاؤه. يتسابقون لاستضافته في قصورهم. كبريات الشركات الأجنبيّة التي تريد أن تستثمر في لبنان تعترف به ممرّاً إلزاميّاً. هو يأتي إلى السلطة من دون ثروة مرّات فيخرج من فقره إلى الثراء الفاحش.
الفاسد الثاني هو “فاسدٌ صغير” جديدٌ في عالم الفساد. يرضى بالفتات الساقط من مائدة القوي. هو “دنّا نفسو” من أجل حفنةٍ من الدولارات، لا تُقارن بما يفعله الفاسد الكبير. طبّق المثل القائل: If you can’t beat the system, join it. هو يلتحق بالفساد متأخّراً. “بيلحّق حالو”.
الفاسد الثالث فهو فاسدٌ بسبب جُبنِه. يمرّ أمامه على طاولة مجلس الوزراء مشروعٌ لشقّ طريق، أو لاستيراد موادٍ أوليّة، أو طلبُ موافقةٍ لسفرةِ وفدٍ فضفاض، أو طلب تعيينات خارج القانون. تمرّ المشاريع الصفقات أمامه. لا يستفيد منها. لعلّه لا يريدُها أيضاً. لكن عندما يحينُ وقتَ التصويت عليها، يصوّت لصالحها. هو يُدرك أنّ مناطقَ كثيرة لا تدفع فواتير الكهرباء. لا يفتح فاه. يعرف أنّ الميزانيّة المرصودة لجمعيّة تخصّ زوجة نافذٍ تفوق الحدّ المعقول فيصمت. هو نائبٌ في مجلس النوّاب. يُدرك أنّ هناك صناديق ومجالس خارج المساءلة. يوافق على رصد الموازنة مبالغ خياليّة لها. فاسدٌ بسبب جُبنِه وليس بسبب تورّطه.
الفاسد الرابع هو القاضي كفردٍ والقضاء كحالة. المدّعون العامّون ليسوا بحاجةٍ إلى طلبٍ من حكومة أو مجلس نوّاب لكي يتحرّكوا ويدّعوا على مشتبهٍ به أو على فاسدٍ محتمل. القضاء، وتحديداً المدّعي العام، هو الضمير الذي يحفظ حقّ الدولة. المدّعي العام المالي مثلاً أقوى من أيّ وزيرٍ أو نائبٍ أو رئيس. إذا أراد فتحَ ملفٍّ، فلا توجدُ في الجمهوريّة اللبنانيّة قوّةٌ تستطيع إيقافه. لكنّ المشكلة هي أنّ مدّعين عامّين ومحامين عامّين ومفوّضين للحكومة كثيرين عُيّنوا في مراكزهم بضغطٍ من السلطة السياسيّة وليس بقناعةٍ من السلطة القضائيّة. لذا ترى القضاءَ جامداً وسط بحرٍ هادرٍ من الفساد.
الفساد أصدقائي فسادٌ، أكان الفاسدُ كبيراً ومتجذّراً، أم فاسداً صغيراً، أم فاسداً جباناً، أم فاسداً قاضياً ولا يقضي بالحق والعدل. كلّهم يسيئون إلينا كمواطنين. كلّهم غير بريئين من دم هذا “المعتّر” … لبنان.