البيروني حائز نوبل في سيرة ذاتية يبرر فيها مساريه الفكري والسياسي
ماريو فارغاس يوسا – غلاف الكتاب
الشرق الأوسط
28022018
تجاوز دون ماريو العقد الثامن من عمره بعد أن حلّق عالياً في الأدب الأميركي اللاتيني والعالمي، وتُوّج بجائزة نوبل، لكنه رغم ذلك ما زال يشعر بحاجة إلى تبرير مساره الفكري والسياسي الذي بدأ، مثل معظم رفاقه ومجايليه، ماركسياً مناصراً للثورة الكوبية والحركات التي كانت تستلهمها وتدور في فلكها، لينتهي ليبرالياً من أشدّ المنتقدين لكاسترو والأدباء والمفكرين المؤيدين له. وبعد أن كان يعرف، خلال إقامته في باريس، بلقب «سارتر الصغير»، لشغفه بالمفكّر والناشط الماركسي الفرنسي جان بول سارتر، بدأ رحلة النأي عن اليسار والنظام الكاستري والدوائر المتعاطفة معه في أعقاب حملات القمع والتنكيل التي استهدفت معارضي ذلك النظام، وبات أقرب إلى ألبير كامو يرفع لواء الفكر الليبرالي المتنوّر، لينتهي به الأمر في علاقة عاطفية مع رمز المجتمع المخملي الإسباني والزوجة الأولى للمطرب الشهير خوليو إيغليزياس.
هذا ما يستدلّ من كتابه الأخير الذي يطرح في الأسواق بعد أيام تحت عنوان «نداء القبيلة»، ويقع في 300 صفحة هي كناية عن حوار طويل حول عشاء مع كبار المفكرين الذين استدرجوه إلى اعتناق النهج الليبرالي الذي يعتزّ بالانتماء إليه بقدر ما يعتزّ بانتمائه إلى فلوبير وفولكنير وبورخيس. والقبيلة هم أساتذة الفكر الليبرالي الذين جلس فارغاس يوسا إليهم، وحاورهم وجادلهم من أمثال آدم سميث وأورتيغا غاسيت وفريدريك فون هايك وريمون آرون وجان فرنسوا روفيل.
وهو يعرض أفكارهم ونظرياتهم كمنهل أساسي في معتقده السياسي وإطار عام لحياته الشخصية. لكن اليساري الذي ينام في وعي من كان ثائراً في شبابه، غالباً ما يطلّ للمعاتبة والتشكيك والانتقاد، فيأخذ على المعلّم الأكبر فون هايك وقوعه في شِباك الديكتاتور بينوتشيت، ويشمل الجميع تقريباً في لومه الذين تركوا الليبرالية تنحلّ كليّاً في ماء الاقتصاد، ولا ينسى التذكير بأن الليبراليين مقصّرون في معالجة القضايا العالمية الكبرى، وفي طليعتها القضية الفلسطينية التي عاينها مباشرة منذ سنوات في مجموعة من التحقيقات الميدانية، المكتوبة والمصوّرة، في صحيفة «الباييس» التي ما زال يواظب على الكتابة فيها أسبوعياً.
لا يدور «نداء القبيلة» حول فصول عاشها فارغاس يوسا أو عايشها، بل حول المطالعات التي أثرّت فيه واستمدّ منها العناصر التي قامت عليها مقارباته الفكرية ونظرته إلى العالم، بعد الصدمة الآيديولوجية التي سببتها الخيبة من الثورة الكوبية، ثم الابتعاد عن فكر جان بول سارتر الذي كان ملهمه الأول في شبابه. ويقول عن كتابه إنه «سيرة ذاتية تعرض مساري الفكري والسياسي، بدءاً بمرحلة الشباب المشبعة بالماركسية والوجودية السارترية، وصولاً إلى الليبرالية التي اختمرت مع النضوج الذي تدرّجت مراحله بفضل مطالعات لكتّاب مثل كامو وأورويل وكوستلر».
يدرك فارغاس يوسا أن الإجماع على قيمته الأدبية الرفيعة يقابله تضارب في الآراء حول مساريه السياسي والفكري اللذين يصعب تصنيفهما، واللذين غالباً ما عرّضاه لشتّى أنواع الانتقادات والاتهامات. ويمكن القول إنه يرتاح إلى هذا التأرجح بين ضفتّي اليمين واليسار، عصيّاً على الاثنين وحريصاً على أوسع هامش من الحرية عند مقاربة القضايا السياسية والاجتماعية، لا بل يغذّيه في معظم الأحيان. فهو ينتقد الأنظمة اليسارية والقمعية بشدّة، فيما يوجّه سهامه إلى الحكومات التي تنتهج سياسات اقتصادية واجتماعية مجحفة في حقوق الطبقات الفقيرة والأقليات، ويقول عن الولايات المتحدة التي يُتهّم بالولاء لها: «لم تعرف هذه الدولة في تاريخها مرحلة أفقر من هذه سياسياً وفكرياً… وهي إن طالت، ستكون لها تداعيات خطيرة على الغرب الديمقراطي والعالم بأسره، أولّها اتسّاع رقعة نفوذ الصين وروسيا، سياسياً واقتصادياً، في بلدان العالم الثالث وأوروبا الشرقية».
وإذ يفاخر كاتب «دفاتر ريغوبرتو» بانتمائه الليبرالي، يظهر كمن يصرّ على ردّ التهم التي وجهت إليه عندما يروي أن سفيراً أميركياً أخبره أن وكالة الاستخبارات الأميركية هي التي كانت وراء الحملة التي استهدفته إبّان الانتخابات الرئاسية، فيقول: «من حسنات تلك السيئة أن الشيوعيين لن يتمكنوا بعد الآن من اتهامي بالعمالة لواشنطن».