الرئيسية / مقالات / “غربال” نعيمة: القمح لا الزؤان

“غربال” نعيمة: القمح لا الزؤان


عقل العويط
النهار
30012018

تبدأ الترشيحات آخر هذا الأسبوع. السيل، سيل المرشّحات والمرشّحين، سيكون جارفاً بالتأكيد. متل الشتي. هذا في كلّ الأحوال، دليل عافية. لكنّ المهمّ الغربال. على سيرة الغربال، ينبغي لمؤلّفي اللوائح أن يقرأوا كتاب ميخائيل نعيمة الذي يحمل هذا العنوان، لعلهم يستفيدون من طريقته في “القراءة” و”الكتابة” و”الغربلة”.

لكن ماذا نقرأ، وماذا نكتب، ومَن يغربل أسماء مَن؟

لن أصرف أيّ جهد لطرح أسئلةٍ كهذه على “جبهة” المرشّحات والمرشّحين الذين يطلبون ودّ الطبقة السياسية وأحزابها وتيّاراتها وملوك طوائفها ومذاهبها وأمرائها وميليشياتها، والذين يدفعون من أموالهم وكراماتهم، من أجل أن يحصلوا على حظوة.

السؤال موجَّه حصراً إلى أهل البيت الاعتراضي، إلى قوى التغيير المفترضة، إلى أصحاب العقل النظيف، الفكر النظيف، الكفّ النظيفة، والوجدان النظيف، الخارجين على الحظيرة، والإسطبل، والمغارة، والوكر، والدهليز، الراغبين في تشييد موقعٍ وطنيّ إنسانوي، في بلاد السيادة الوطنية، والكرامة، كرامة الذات، وكرامة الدستور والقانون والحقّ والمساواة والحرية والنزاهة والأخلاق.

إنها المعايير، أيها السيدات والسادة. دائماً المعايير. ونحن نفتقر إليها. فلنعد إلى كتاب نعيمة، الذي صدرت طبعته الأولى في العام 1923، أي قبل نحوٍ من خمسة وتسعين عاماً. ليس لغاية التعريف بالأدب والأديب، إنما لـ”إسقاط” هذه الغاية على معنى النائب ودوره ومسؤوليته في حياتنا السياسية. فقد أراد نعيمة التأسيس لتصوّرٍ نقديّ مغاير، مختلف، جديد، طليعي، من خلال الدعوة إلى كتابة أدبٍ جديد. وإذا كانت طريقته قد تمثّلت في الهجوم على الأدب التقليدي، وعلى التحجّر، ولزوم إعادة النظر في وظيفة الأدب، وطرائق نقده، فإن مسؤولية أهل الاعتراض والتغيير السياسي، هائلة الآن، وأكثر من أيّ وقت مضى، حيال “معنى” السياسة والسياسيين وأهل الطبقة السياسية، وحيال دور السياسيّ، ووظيفته، ومسؤوليته.

يحدّد نعيمة مفهوم الأديب/ الأديبة، لينطلق إلى تحديد مفهوم الأدب. بدل الكاتب/ الكاتبة نضع المرشّح/ المرشحة، وبدل الأدب نضع السياسة. انطلاقاً من هذه المعادلة، وعلى هدي الكتاب المذكور، أدعو مسؤولي قوى الاعتراض والتغيير فوراً إلى مواجهة الأسئلة الآتية: كيف نقرأ “كتاب” هذا المرشّح أو تلك “المرشّحة”؟ كيف نغربله، بزؤان ماضيه وقمحه، وبوقائع حاضره، وبالسلبيات والإيجابيات؟ وعلى ضوء هذه الغربلة، لماذا نختار “مؤلّف” هذا الكتاب، أو “مؤلفته”، وليس غيرهما؟

كلّ تلاعبٍ بهذه المعايير المتكاملة، بهذه المفاهيم، تحت أيّ ذريعة، يفضي إلى زعزعة ثقة الناخبات/ الناخبين بمشروع التغيير برمّته. فلا تجبروا الناخبات والناخبين على اللجوء إلى “الحكمة” البغيضة: شرّ هؤلاء السياسيين نعرفه، أما شرّ المدنيين الاعتراضيين فلا نعرفه. نختار الشرّ الذي نعرف.

لا تنسوا “الغربال”، “غربال” نعيمة!

اضف رد