24-12-2020 | 00:00 المصدر: النهار

العيد في سوريا (أ ف ب).
لسلطنة عُمان دور سياسي وديبلوماسي عربي وإقليمي مهم أسّسه ووطّده حاكمها الراحل بعد حكمٍ مديد السلطان قابوس. عندما رحل الى جوار ربه منذ مدة غير بعيدة تساءلت جهات عدّة في المنطقة وخارجها إذا كان سلطانها الجديد سيُكمل مسيرة ابن عمّه التي قامت داخلياً على تنمية بلاده وتحسين أوضاع شعبه بهدوء واتزان وبعيداً من الديماغوجية والعقائد المتطرّفة من سياسية ودينية والاصطفافات الخارجية التي تؤمّن الحماية حيناً لكنها تجلب الويل والمصائب معظم الأحيان. كما التي قامت خارجياً على اعتماد الحياد الإيجابي وعلى التوسّط السليم والموضوعي البعيد من الأضواء لحلّ النزاعات الصعبة ولا سيما في المنطقة سواء بين إخوانه العرب أو بين بعضهم ودول إقليمية مهمّة مثل إيران أو بين الدولة الأعظم في العالم حتى اليوم أميركا والجمهورية الإسلامية الإيرانية. كان للتوسّط الأخير هذا باستضافة مباحثات طويلة وغير رسمية أولاً ثم رسمية لاحقاً بين ممثلين للدولتين دوراً مهماً في جعل “الاتفاق النووي” بين الاثنين ومعهما روسيا وفرنسا والصين وبريطانيا وألمانيا يرى النور عام 2015. علماً أن توسّطها المتنوّع المذكور هذا لم يدفع “البخار الى رؤوس” قادة السلطنة بحيث تنتقل طموحاتهم من المحافظة على بلادهم واستقرارها الداخلي الى توسيع نفوذها في محيطها والعالم، كما حصل مع دول عدّة عربية مثلها ذات أحجام صغيرة ديموغرافياً وجغرافياً بل أصغر من حجمها في المجالين، الأمر الذي هدّدها ولا يزال يهدّدها بتطورات سلبية عندما يحين أوان الاستقرار في الشرق الأوسط وأوان تحديد الأدوار الكبيرة والمؤثّرة. المعلومات التي توافرت عن عُمان في عهد سلطانها الجديد لباحثين جدّيين في مركز بحثي أميركي معروف بقدرته على الوصول الى مصادر المعلومات أكدت أن مسيرة سلفه قابوس مستمرة. فأقنية التفاوض غير المباشر وغير الرسمي بين واشنطن وطهران لا تزال مفتوحة رغم أن الحركة فيها لا تزال متقطّعة. لكنها لا تستبعد أن يزول تقطّعها بعد تولّي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الحكم في العشرين من الشهر المقبل. علماً أن ذلك لا يعني أن عودة التفاوض بين الدولتين المتعاديتين سيكون سهلاً، وأن النتائج الجيّدة لن تتأخر في الظهور. لذلك سببان، الأول الأضرار المتنوّعة التي ألحقها كوفيد – 19 بشعب أميركا واقتصادها، والثاني الأذى الكبير الذي ألحقه الرئيس المنتهية ولايته قريباً جداً ترامب بالداخل في بلاده (زعزعة الاستقرار) كما بدورها الدولي وهيبتها وسمعتها مهدّداً بذلك زعامتها العالمية “الأوحدية” التي تسعى الى ضربها أو على الأقل الى المشاركة فيها جهات دولية ثلاث: الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. لكن المعلومات نفسها أشارت أيضاً الى علاقة عُمان بسوريا بعد نشوب الثورة الشعبية ثم الحرب الأهلية فالارهابية منذ 2011 حتى الآن، واعتبرت أنها دليل على استمرار سياسة مؤسّس نهضتها قابوس بن سعيد.فهي ومنذ السنة المذكورة كانت العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم يُقدم عملياً على اتخاذ اجراءات وإعلان مواقف ضد هذه الدولة العربية الشقيقة. فهي رفضت الانضمام الى دول أخرى في العمل لتغيير نظامها. وبدلاً من الانخراط في أعمال كهذه فإنها فعّلت حيادها واستخدمته لدفع أطراف الحرب الى البحث في حلّ أو عن حلّ ديبلوماسي ينهي سفك الدماء. أما الآن وقد “ربح” الرئيس بشار الأسد الحرب عملياً فإن عُمان تسعى مع روسيا والإمارات العربية المتحدة الى دور أكبر يساعد سوريا على الاندماج مجدداً في النسيج الديبلوماسي العربي، كما على إعادة بناء بُناها التحتية المدمرة. والقيام بذلك في وقت تفرض الولايات المتحدة عقوبات بالغة الأذى يعني أن عُمان ستحتاج الى موازنة جهودها بحذرٍ وعناية للحصول على نفوذ في دمشق من دون خسارة علاقتها القوية بل الممتازة بواشنطن. ومنذ بداية الصراع السوري، ذكرت المعلومات نفسها، أن عُمان أوضحت أنها تسعى الى أدوار إنسانية وديبلوماسية في سوريا بدلاً من إرسال أسلحة لدعم الأفرقاء المعادين لنظامها وحكومتها مثلما فعلت قطر والمملكة العربية السعودية. وقد وضعت الدوحة والرياض مواقفهما المعادية لنظام الأسد في إطار أخلاقي مع إدانة جرائمه. في حين هدفت السياسة الخارجية العُمانية الى تلافي أعمال أو سجالات يُمكن اعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. واستناداً الى ديبلوماسيين عُمانيين في واشنطن فإن “رؤية السلطنة للحل في سوريا تنبع من الحاجة الى وقف سفك الدم والصراع المسلّح. وهي لا توفّر جهداً للإسهام من أجل تحقيق هذا الهدف في كل المنتديات بغية تحقيق السلم في سوريا وإنهاء عذاب الشعب السوري”. وكلما استأنفت دولة عربية علاقتها مع سوريا، بما في ذلك البحرين والإمارات ترى عُمان ذلك قبولاً مبدئياً لشرعية حكومتها وحجة لاستئناف معها. كيف تصرّف خلف السلطان الراحل السلطان هيثم بن طارق آل سعيد في الموضوع السوري؟ تفيد معلومات المركز البحثي نفسه ذي القدرة على الوصول الى مصادر المعلومات أنه سعى منذ تسلّمه السلطة الى المحافظة على المقاربة السورية لبلاده والى توسيع العلاقات معها. وقد تسلّم وزير خارجيتها (الراحل منذ مدة قصيرة) وليد المعلم في مطلع تشرين الأول الماضي أوراق اعتماد سفير عُمان في سوريا تركي محمود البوسعيدي. وكانت السلطنة بذلك أول دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي تعيد سفيرها الى دمشق منذ 2011. هذه الخطوة تساعد في رأي عُمان على تعزيز قدرتها على لعب دورٍ أكبر كجسر ديبلوماسي ولاعب إنساني في دولة خرّبتها الحروب. وبما أن نظام الأسد (يطلع) منتصراً في الحرب السورية الأهلية فإن العُمانيين ينفّذون ببراغماتية سياسة تؤمّن مصالحهم في سوريا بقبول حقيقة هي أن التعامل مع نظامها ضروري للانخراط معها. ماذا أيضاً عن عُمان وسوريا وعُمان وإيران؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb\