الرئيسية / home slide / عَمالة بسمنة وعَمالة بزيت

عَمالة بسمنة وعَمالة بزيت

23-07-2021 | 00:00 المصدر: “النهار”

سمير قسطنطين

جندي لبناني يُراقب الحدود اللبنانية الجنوبية أثناء تظاهرة داعمة لفلسطين (15 أيار 2021- تصوير حسام شبارو).

العمالة للعدو مسألةٌ دقيقة في لبنان والعالَم، ذلك لأنَّ العميل يبيع العدو مقابل مبلغ من المال، غالباً ما لا يكونُ وفيراً، معلوماتٍ حسّاسة عن بلده تُساعد العدو على تقويض أمن البلد وإضعافِه. هذه هي العمالة الوحيدة الّتي نتحدّثُ عنها. وعندما نسمّي العملاء، فإنّنا نسمّي أشخاصاً أمثال عامر الفاخوري وغيره الّذين تعاملوا مع #إسرائيل وظَلموا النّاس، أكان ذلك في مُعتَقَل الخيام أم في أماكن أخرى. هذا أفهمُه، لكنّي أودُّ أن أطرحَ بعض الأسئلة حول العمالة.

 عندما نُفقِر الناس إلى درجةٍ يُصبح المجتمعُ كلُّه مُعوَزاً، ونشرِّعُ أبوابه أمام الإختراق الأمني من قِبَلَ العدو الإسرائيلي، ألا نكون بذلك نساعد إسرائيل على تحقيق أهدافها التّخريبيّة؟ وبالتّالي، ألسنا في ذلك نتساوى وما يفعلُه العملاء؟

  عندما نُخرِّبُ السّياحة، وقُبَيل كلِّ صيف نفتعل مشاكل لا عدَّ لها ولا حصر، فيُحوِّلُ السيّاحُ المُحتمَلون الّذين كانوا يودّون زيارة لبنان، وُجهتَهم إلى قبرص واليونان وتركيا وإسرائيل، نعم إسرائيل! ألا نكونُ بذلك نُشجِّعُ السّياحة في بلد العدو؟ وبالتّالي، أليس في ذلك عمالة غير مباشرة؟ عندما نُعيثُ في الأرضِ فساداً فنسرق أموالَ الدّولة، ونحوِّل لبنان دولةً مهترِئة غير قادرة على حُكمِ نفسها، ألسنا بذلك نقتربُ بذلك من العمالة؟

أسألُ هذا لأنّ الدول العربيّة والغربيّة تنظُر إلى نموذجَي الحُكمِ في لبنان وإسرائيل، فتَرَى أنَّ إسرائيل تتفوَّق علينا في مسائل الشّفافية وممارسة الدّيموقراطيّة بين شعبها، ألا نُبرِّرُ بذلك وجود دولة إسرائيل والدعم الدولي لها؟ عندما نُمعِنُ في نكء الجروح الطّائفيّة ونتوغَّلُ حتّى العظم في الجروح المذهبيّة، ولا نتورّعُ عن الحديث عنها وبشكلٍ وَقِح، ألا نُبرِّرُ بذلك نظريّة إسرائيل بعدم قدرة الطوائف أو المذاهب على العيشِ معاً واعتمادها بالتّالي مفهوم الدولة العِبرية أي دولة الدين الواحد؟ ألسنا بذلك نخدُم مصالح إسرائيل بشكلٍ أو بآخر، ونقتربُ بالتّالي من مستوى العمالة؟ عندما نُشجِّعُ تصنيع الكبتاغون ونصدِّرهُ إلى دولٍ عربيّة، ويتسبّب ذلك في منعِ استيراد الفواكه والخُضار من لبنان، ويزيدُ ذلك طينَ الفقرِ عند النّاس بلّة، وتستبدِل أسواقٌ عربيّة عديدة الفواكه اللّبنانية بفواكه الدّولة العبريّة، ألا نكونُ بذلك نُحقِّقُ أماني إسرائيل؟ وبالتّالي، أليسَ في ذلك شيءٌ من العمالة؟ أسألُ كلّ هذه الأسئلةِ ولائحة الأسئلة يمكن أن تطولَ أكثر وأكثر.

 أقول هذا الكلام لأقول إنَّ الدّولة العبريّة قبل نشوئها وبعده، لم يخْدمْها ويحقِّق أمانيها أحدٌ، ولم يُرِحها إلى خُططها أحدٌ كما فعلنا نحنُ في لبنان. لعلّنا في خُطابنا السّياسي نجتمع كلُّنا كلبنانييّن على موضوعٍ واحد هو العِداءُ لإسرائيل. لكنّ هذا يحصلُ فقط في الجرائد والإذاعات والتّلفزيونات ومنصّات التّواصُل الإجتماعي. لكن في الحقيقة لم تتمنَّ إسرائيل يوماً عدوّاً لها أكثر ممّا تتمنى أن يكون هذا العدو لبنان ومَن يُدير شؤونَ الدّولة في لبنان. لكن للأسف فإنَّ القانون لا يطالُ هذا النّوع من العمالة. هو يطالُ فقط مُجرِماً نكَّلَ بالنّاس في الخيام، أو عميلاً صغيراً أعطى معلوماتٍ عن مراكز عسكريّة أو أمنيّة مقابل مبلغٍ ما. هاتان الحالتان هما حالَتَا عَمَالة ونقطة على السّطر. لكن ألا تَرَونَ معي أنّ ما صنعناه في لبنان على مستوى إدارة الدّولة يرتقي، لا بل ينحدِر، إلى مستوى العمالة التي يجب أن يحاسب عليها القانون؟