سركيس نعوم
النهار
26082017
هناك شبه إجماع بين الفصائل الفلسطينية المقيمة في مخيمات لبنان وأهمها “عين الحلوة” على ضرورة إبعاد الضرر عنها وعنه وعن محيطه اللبناني، ولا سيما صيدا. فحركة “فتح” الموالية للسلطة الوطنية الفلسطينية والفصائل المنضوية معها في “منظمة التحرير” من جهة و”حركة حماس” الاسلامية من جهة أخرى لا ترى لها مصلحة في اقتتال أهلي يدمر المخيم ويتسبب بأضرار لمحيطه، وذلك رغم الاختلافات الكثيرة بينها على السلطة في الضفة وغزة وفلسطينيي لبنان، ورغم سياسات تحصيل حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى الدول الكبرى في العالم والاقليم التي يجب التعاون معها لتحقيق الأهداف الوطنية. لهذا السبب تجنّدت قيادات الفصائل المُشار إليها عندما بدأت قبل أسابيع معركة استمرت أياماً، بين التنظيمات الفلسطينية الاسلامية الصغيرة المتشددة دينياً ومذهبياً، لوقفها ولايجاد حل أو بالأحرى تسوية لمنع تكرّرها.
لكنها لم تنجح إلا بعد أيام أي بعد سقوط قتلى وجرحى وحصول خراب في المخيم وخوف المحيط على نفسه. ونجاحها كان وقتياً إذا جاز التعبير إذ كان كثيرون من متابعي الاشتباك متأكدين أنه لن يكون الأخير. فـ”فتح” التي ظنّت أنها قادرة على الحسم، وهي التي تمتلك جسماً عسكرياً كبيراً وجمهوراً واسعاً داخل المخيم، عجزت عنه لأنها ترهّلت. والاسلاميون الذين راودهم حلم السيطرة على “عين الحلوة” والانطلاق منه الى مخيمات أخرى ولاحقاً منها الى “لبنانهم” لمسوا بعد المعركة عدم قدرتهم على تحقيق انتصار عسكري، وأن استمرار القتال كان ليدمّر المخيّم لا محالة. وإسلاميو “حماس” الذين عملوا للتهدئة، مع اصطفافهم غير العسكري طبعاً الى جانب “فتح” و”السلطة” والفصائل غير “الاسلامية”، أفهموا المتشددين أن عليهم وقف القتال والقبول بالتسوية التي طبّقت والتي انطوت على بذور اندلاعه مرة ثانية وثالثة.
طبعاً، تقول مصادر فلسطينية مطلعة “أن الفصائل الصغيرة و”المتشددة” كانت تسعى وراء المشكلات. وكانت (ولا تزال) على علاقة مع جهات متطرفة جداً مثلها موجودة خارج “عين الحلوة” في لبنان وخارج لبنان، والهدف الاستراتيجي هو السيطرة على المخيم. لكن الجميع ما عداها طبعاً وقفوا ضدها لإدراكهم أن بلال بدر ليس الخطر أو المشكلة بل الذين يحركّونه ويوجهونه من خارج. والعملية التي أثارت فيها الخوف ودفعتها الى العمل المسلّح كانت تعاون معظم الفصائل والاسلامية من ضمنها في تسليم المطلوب خالد السيّد للقضاء اللبناني. إذ أدركت أنها لن تستطيع السيطرة على المخيم ولا استخدامه في مشروعات حلفائها مثل “النصرة” و”داعش”. كما أدركت لاحقاً بعد هزيمة “النصرة” في جرود عرسال على يد “حزب الله” أنها لم تعد في أمان وأنها ستلقى مصيراً مشابهاً. ولذلك عرضت (أي الفصائل الفلسطينية الاسلامية المتشددة) أن يغادر المخيم ولبنان 130 من أعضائها اللائذين بها فيه من سلطات لبنان و”حزب الله” وغيرهما مع مقاتلي “سرايا أهل الشام” الذين استسلموا في مقابل السماح لهم بالمغادرة مع عائلاتهم. لكن عرضهم رُفض، علماً أن بعضاً من الفلسطينيين الذين وقفوا ضدّهم تساءل: ألم تكن المخيمات وصيدا وغيرها ستستفيد لو رأت هؤلاء يغادرون الى سوريا؟
ويبدو أن التحليل المعلوماتي المفصّل أعلاه قد صحّ بعد أسابيع قليلة، فـ”عين الحلوة” شهدت معركة قاسية بدأت أواخر الاسبوع الماضي، وشاركت فيها صيدا وأهلها بالسمع والخوف ووقع بنتيجتها قتلى وجرحى فلسطينيون فضلاً عن الخراب والدمار. ورغم أن “تسوية” تم التوصّل إليها قبل يومين وصمدت حتى الآن، فإن لا شيء يمنع استمرار الحرب وإن بتقطع. علماً أن البعض يعزو نشوب المعركة الأخيرة الى رغبة ذاتية أو مطلوبة بخلق فوضى عسكرية وأمنية تعطّل عملية الجيش لاستعادة جرود البقاع الشمالي من “داعش”. واذا صحّت فإنها تعكس قلة فطنة وحكمة لان “داعش” في لبنان الجرود صار محكوماً بالزوال، اذ تُطْبِق عليه جيوش لبنان وسوريا و”حزب الله” وإن من دون “تنسيق” كما يقول اللبنانيون. وعلماً أيضاً أن بعضاً آخر بدأ يعتقد استناداً الى ما يسمعه في الاعلام من دعوات الى التخلّص من بؤرة “عين الحلوة” بعد “داعش” و”النصرة”، أن هناك مخططاً معداً لذلك الأمر الذي يستوجب إثارة الموضوع الفلسطيني في لبنان بالفوضى والحرب للفت انتباه العرب الغافلين عن فلسطين هذه الأيام.
طبعاً لا أحد يعرف ما تخبئه الأيام لعين الحلوة وللمخيمات الأخرى وربما للبنان أيضاً، لذلك لا بد من انتظار التطورات، ولا بد لدولة لبنان وأندادها في البلاد من التصرّف بحكمة.