إبراهيم حيدر
النهار
16122018
على خطّ أزمة تأليف الحكومة، تظاهرة للشيوعي اليوم في بيروت (أ ف ب).
الأخطار التي تحدق بلبنان، لم تدفع المعنيين بالتأليف الحكومي إلى تقديم تنازلات إنقاذاً للبلاد التي تقف على شفير إفلاس مالي، وتواجه تهديدات إسرائيلية بالحرب وأزمات اجتماعية واقتصادية. وقد زاد اصطفاف القوى السياسية والطائفية من تأزّم عملية تشكيل الحكومة وإخراجها من عنق الزجاجة، إلى حد أن مطلب الإنقاذ ما عاد من الأولويات، فيما “القتال” يتركز على الحصص والسيطرة على القرار في #الحكومة.
بعد انقضاء نحو سبعة أشهر على التكليف، لم تظهر صيغة حل للعُقد التي تتناسل واحدة بعد اخرى، وآخرها العقدة السنّية التي ظهرت من خلال إصرار #حزب_الله على تمثيل نواب “سنّة 8 آذار”. ويبدو وفق مصادر سياسية أن العقد لن تنتهي حتى لو تم تجاوز العقدة السنية، إذ ان رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي لوّح بها للرئيس المكلف سعد الحريري، وما حُكي عن مبادرة رئاسية للدفع بعملية التشكيل، لم تؤديا إلى حل العقد، بعدما تبين أن المشكلة تكمن في الهيمنة على الحكومة وعلى قرارها. وتكشف المصادر أن العقدة اليوم
باتت أكبر من مجرد رقم أو حقيبة للسنّة المعارضين، إذ بات عنوانها الفوز بالقرار في الحكومة، وذلك بعدما نجحت قوى الممانعة في تحويلها معضلة أولى. لكن الأهم، وفق المصادر، أن رئيس الجمهورية وتياره السياسي نجحا في وضع المشكلة عند الرئيس المكلف ولدى السنية السياسية عموماً. فبعدما أصر الرئيس عون على حصته في الحكومة مع تياره ورفضه التنازل عنها، صار اليوم يطالب مع “التيار الوطني الحر” بـ11 وزيراً، ما يعني أن الوزير السني الذي يريده الرئيس عون هو من حصة الحريري.
إلى الآن لا صيغة حل للعقدة السنية، فيما ينصرف “حزب الله” إلى الاهتمام بالجبهة الجنوبية، ما يعني أن الأولوية لديه ليست لتشكيل الحكومة. لذا لم تنضج حتى الآن خريطة الطريق لحل العقد حتى لو التقى الرئيس المكلف النواب الستة، إذ ان أي لقاء من هذا النوع سيكون عبر رئيس الجمهورية الذي يضغط لقبولهم باختيار شخصية من خارجهم لتمثيلهم في مجلس الوزراء، وهي ستكون بالتأكيد مقربة من رئاسة الجمهورية، ومن حصته. أما المفارقة اللافتة، والتي تؤشر الى أن الأمور تأخذ منحى مختلفاً في التشكيل الحكومي، فتتمثل بمطالبة “التيار الوطني الحر” بحصة إضافية، وهو ما يتناقض مع المساعي التي قام بها رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل بطلب من عون، وتؤكد أنها كانت تهدف إلى الأخذ من حصة الحريري ومن حساب كتلته ولم تقترح أفكاراً وسطية ولا صيغة وطنية للحل. وتبين وفق المصادر أنها ليست مبادرة إنقاذية تقوم على إخراج تسوية عادلة بين الطوائف.
وبينما تعتقد المصادر أن الأمور لا تزال معقدة، تنقل عن زوار قصر بعبدا أن رئيس الجمهورية جاد في الذهاب بإجراءاته إلى النهاية، وهو كان ناقش ملف الحكومة مع “حزب الله” عند زيارة وفد من قيادته إلى القصر الجمهوري اخيراً، وقد أبلغ الحزب عون، وفق المصادر، أنه يؤيد كل خطواته، بما يعني أنه لا يعترض على الثلث المعطل لرئيس الحمهورية و”التيار”، ومطمئن في المقابل الى مواقف عون من سلسلة من القضايا التي تعني “حزب الله” بدءاً بموضوع الضغوط إلى مواجهة التهديدات الإسرائيلية وتغطيته في مختلف الملفات التي تطاله حتى في ما يتعلق بالعقوبات. وقد كان واضحاً أن الحزب لا يعترض على أن يكون الوزير الذي سيمثل “سنّة 8 آذار” من حصة الرئيس وتياره، فيما يريد الرئيس من حكومة “العهد الأولى” أن تضمن موقعه القوي، وهي في الحقيقة إذا حصل التيار على الثلث المعطل ستكرس واقعاً جديدا على صعيد الصلاحيات الرئاسية، في وقت تعكس بالنسبة الى الآخرين تحوّل الرئيس إلى طرف في المعادلة له حصة اساسية بما يتجاوز الرئيس الحَكَم الذي يقدم مبادرات إنقاذية لكل اللبنانيين. وتضيف أن عون قد يذهب بإجراءاته إلى النهاية في حال شعر أن الحريري لا يوافق على تمثيل وزير سني من خارج “اللقاء التشاوري”، فتصبح الرسالة إلى مجلس النواب مدخلاً لسحب التكليف والعمل على تشكيل حكومة أكثرية لمصلحة قوى الممانعة.
على المقلب الآخر، لا يبدو الحريري رافضاً بالمطلق للتنازل عن وزير من حصته لشخصية سنية من خارج “اللقاء التشاوري”، لكنه يريد، وفق ما تقول المصادر، إخراجاً لا يؤدي الى إضعاف موقعه، وهو لا يستسلم للأمر الواقع، على رغم أن خطابه مع تياره يدل على أنه لا يمانع في تمثيل النواب السنّة المعارضين من خارجهم، إنما بشروط أن تبقى له كلمة اساسية في الحكومة لا تضعه في موقف حرج دولياً، مركزاً على ملف “سيدر” بالدرجة الأولى، وإلا كان اتخذ قراراً بالاعتذار أو بالإنكفاء أو بالمواجهة إلى النهاية، لكنه أيضاً يشعر بضعف القوى التي لا تستطيع المواجهة، إن كان على صعيد السنية السياسية أو في إطار حلفائه من قوى 14 آذار، علماً أن “القوات اللبنانية” لا تريد المواجهة مكتفية بما أعطي لها من حصة في الحكومة، خوفاً من استفرادها مسيحياً ولبنانياً. لذا يبدو الأخير أنه أمام خيارين، إما الموافقة على ما يطرحه رئيس الجمهورية والتنازل لمصلحته، وإما الاعتذار إذا بلغت الضغوط أوجها وهي تدفع لتحميله مسؤولية الأزمة والعقد التي تأخذ البلد إلى الإنهيار. ويعرف الحريري أن الضغوط عليه بلغت منعطفاً دقيقاً في ما يتعلق بموقعه الرسمي وفي بيئته التي تتعرض لاستهدافات وتصويب ضمن المعادلة اللبنانية العامة، وإلا ما الذي يفسر الخلاف على الصلاحيات التنفيذية، ومحاولات استعادة بعضها إلى الموقع الرئاسي الأول في البلد؟
إذا سارت الأمور بتراجع الحريري وقبوله بالصيغة التي يسعى عون إلى تكريسها، فإن الحكومة ستبصر النور بعد الأعياد، كما تقول المصادر، فتكون الغلبة فيها مطلقة لقوى الممانعة بأكثرية الثلثين، حتى أن الحريري وحلفاءه قد لا يتمكنون من جمع الثلث المعطل أو الضامن.
وتجزم المصادر بأن الحريري إذا استمر في التكليف تحت وطأة الضغوط فقد يصل إلى مرحلة يقدم فيها التنازل المطلوب أمام ما فرضته المعادلات وموازين القوى المتغيرة…
ibrahim.haidar@annahar.com.lb
twitter: @ihaidar62