الرئيسية / مقالات / عهر وألف عيب

عهر وألف عيب


جورج موسى – النهار
6-11-2012            
الأرشيف



المشكلة عندما تطرح موضوعاً مماثلاً للمناقشة، تكمن في علمك المسبق بأن السجال سيدور ضمن حلقة مُفرغة. سيرتفع لديك الضغط، وتزيد ضربات قلبك. ستتوتر. ستغضب. ستثور. ستشعر بالغثيان. ثم تُعلن الهزيمة، لأنك – وفي هذه الجولة أيضاً – لم تصل إلى نتيجة. هذا هو مجتمعنا، حيث ثقافة العيب ستستمر في غرز مخالبها في النفوس، قبل الأجساد. 
الجنس عيب. المرض عيب. العمل في مهنةٍ لا تناسب الصورة الاجتماعيّة النمطيّة عيب. إنقلاب الأدوار الاجتماعية بين الزوج والزوجة عيب… وأن تكوني امرأة، فهنا العيب الأكبر! 
ينقضي العمر. تموت ألف ميتة. تُقتل طموحاتك وأهواؤك… فقط، لأنّ ثمّة من نصَّبَ نفسه ولياً عليك، يحدد لك المسموح والممنوع. والويل لك إذا حاولت أن تسبح عكس التيّار المتعارف عليه اجتماعيّاً (ودينيّاً أحياناً).  
في مجتمعنا، نكبر على كلمة “عيب”، ونسمعها أكثر مما نسمع اسمنا! 
في مجتمعنا، تبقى السيادة للأعراف والتقاليد، ولو على حساب الإنسان الذي صنع هذه الأعراف والتقاليد. 
في مجتمعنا، من المعيب أن نتحدث عن الجنس، فيما هو يشكل – شئنا أم أبينا أو حتى ضربنا رأسنا بالحائط – عصب حياة الثنائي. ينتقدون المتحدثين عن الجنس، فيما هم أول من يبحث عنه. وإذا شككتم، إسألوا الأطباء المتخصصين في المشكلات الجنسيّة، كم عدد زائري عياداتهم يومياً!
في مجتمعنا، عيب أن يبكي الرجل! هكذا، يكابر المسكين على أوجاعه، ويميل – منذ الصغر – إلى كبت مشاعره، ويهمل طلب المساعدة، حتى ولو كانت طبيّة. والنتيجة؟ ها هو يصبح الجنس الأضعف صحيّاً، والأكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة. 
عيب؟ أيُّ عيب؟ ما هي مقاييس هذا العيب الذي يُبقي أباً – لسنوات – يغتصب ابنته التي لم تبلغ الـ15. والأم؟ لاذت بالصمت لأنه من المعيب أن تفضح زوجها!  
ترى، كم هو عدد السيدات العربيات اللواتي يُغتصبن جسدياً ومعنوياً، كل ساعة. أليس من المعيب أساساً أن نتحدث عن انتفاضة – أشك أن تأتي – للمرأة العربية؟ أليس عيباً أننا ما زلنا نناقش حقوقها المهدورة، فيما هي قابعة في الزاوية، لأنها تخشى تحدّي ثقافة “العيب”؟ والأنكى، ثمّة من يدافع عن جرائم ترتكب بإسم الشرف، لأنها فقط اخترقت العيب الاجتماعي. تخايلوا: أن تتحدَّث هي مع شابٍ في الطريق، فهذا من أكبر المصائب… أما أن يقتلها والدها أو أخوها، فهذا مدعاة للفخر! (حتى ولو كان متعلقاً بها، لا يهمّ. فالعيب أهم من الروابط والمشاعر!)
نعم، في مجتمعنا، القتل أحياناً ليس عيباً، والسير كالحمقى وراء الزعماء السياسيين ليس عيباً، والإقتتال المذهبي ليس عيباً، والكبت الجنسي ليس عيباً، والمعايير المزدوجة للشرف والرجولة ليست عيباً. 
في مجتمعنا، يراشقون العاهرة بالحجارة… وينسون أن ثقافة العيب التي تقتلنا ونحن أحياء، هي أكبر عهر. بربّكم، أليس معيباً أن نذكر في بضعة أسطر، تتحدث عن الحياة والكرامة الإنسانيّة، كلمة “عيب” أكثر من 25 مرة؟!

اضف رد