اخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / عهد انتحاريّ قد يدفع آخرين إلى اللحاق بتيلرسون

عهد انتحاريّ قد يدفع آخرين إلى اللحاق بتيلرسون

جورج عيسى
المصدر: “النهار”
13032018

وزير الخارجية السابق ريكس تيليرسون يصل إلى اجتماع لمجلس الفضاء القومي، فرجينيا في 5 تشرين الأول 2017 – “أ ب”

في حدث غير مفاجئ إلى حدّ ما، أقال الرئيس الأميركي دونالد #ترامب وزير خارجيّته ريكس #تيلرسون من منصبه وعيّن مكانه مدير وكالة المخابرات المركزيّة “سي آي أي” مايك بومبيو مكانه. وستصبح جينا هاسبل أوّل امرأة تستلم إدارة “سي آي أي” خلفاً لبومبيو كما أكّد ذلك ترامب من خلال تغريدة له على “تويتر”. لا يحمل القرار الرئاسي اليوم الثلثاء مفاجأة كبيرة لأنّ الإدارة الأميركيّة الحاليّة شهدت أساساً خروج عدد كبير من الاستقالات التي كادت تكون عادة روتينيّة خلال الأشهر الماضية. لكنّ الأهمّ من ذلك، أنّ الأخبار عن خلافات بين الرئيس الأميركي ووزير خارجيّته كانت منتشرة في وسائل الإعلام الأميركيّة بالرغم من محاولة ترامب في مناسبات عديدة التقليل من شأنها.

ربط بعض الناشطين على “تويتر” وخصوصاً أولئك المناهضين لترامب، بين قرار الإقالة وترجيح تيلرسون مساء أمس تورّط روسيا في اغتيال جاسوس روسيّ سابق في بريطانيا من خلال استخدام غاز الأعصاب وتأكيده أنّ ذلك سيستدعي ردّاً. لكنّ التشكيك بأولوية هذا السبب قد يبقى قائماً، لأنّ تيلرسون لم يكن في حياته العمليّة مناوئاً راديكاليّاً للروس، هو الحائز على “وسام الصداقة الروسيّ” حين كان رئيس مجلس إدارة “إكسون موبيل”. وقد سبق للرجلين أن تباعدا في العديد من القضايا الخارجيّة على وجه التحديد.

خلاف حول قطر وكوريا الشماليّة

اختلف المسؤولان بداية حول الأزمة القطريّة. فقد بدا ترامب متحمّساً لخطوة الرباعيّ حين قاطع قطر، وعزا الفضل بذلك، من خلال تغريدة، إلى مشاركته في القمّة العربيّة الإسلاميّة الأميركيّة في الرياض خلال شهر أيّار الماضي. وكتب أنّ جميع الدول التي حضرت القمّة أشارت إلى الدوحة حين تحدّث عن ضرورة قطع التمويل عن التطرّف. لكنّ تيلvسون سلك خطّاً مغايراً فدافع عن قطر معتبراً أنّها تقوم بما عليها في سبيل محاربة الإرهاب قبل أن يليّن ترامب نظرته لاحقاً. وشكّل الملفّ الكوريّ الشماليّ أحد عناوين الاختلاف بين الرجلين في الخريف الماضي. فبينما كان تيليرسون يشدّد على ضرورة الحوار، أطلق ترامب في تشرين الأوّل الماضي “تغريدة” انتقده فيها بشكل ملطّف لكن مباشر: “لقد أخبرت ريكس تيليرسون، وزير خارجيّتنا الرائع، أنّه يضيّع وقته وهو يحاول التفاوض مع رجل الصواريخ الصغير. ادّخر طاقتك ريكس. سنقوم بما يجب فعله”. وأضاف حينها تغريدة أخرى محذّراً من العودة إلى سياسات “فاشلة” اتّبعها المسؤولون الذين سبقوه إلى البيت الأبيض.

إيران.. عنوان الخلاف الأساسيّ؟

بالانتقال إلى الملفّ الإيرانيّ، لم يبدُ التباين أقلّ وضوحاً خصوصاً مع رغبة الرئيس الأميركيّ بالخروج من الاتفاق وهو أمر بات مرجحاً خلال شهر أيّار المقبل، بينما يؤيّد تيليرسون بقاء بلاده ملتزمة بالاتّفاق. وكانت وزارة الخارجيّة قد أشارت سابقاً إلى أنّ إيران “ملتزمة تقنياً” بالموجبات الملقاة على عاتقها. وأوضح ترامب قراره لاحقاً اليوم الجمعة أمام مجموعة من المراسلين قبل توجّهه إلى كاليفورنيا “كنا نتحدث أنا وريكس عن هذا طوال الوقت. لقد كنّا على ما يرام لكنّنا اختلفنا حول (بضعة) أمور. حين تنظرون إلى الاتفاق النووي، أعتقد أنّه مريع. أعتقد أنّه رآه مقبولاً … إذاً، لم نكن نفكّر حقاً بطريقة متشابهة. مع مايك بومبيو، لدينا مسار فكري مشترك”.

كيف علم باستقالته؟

وكان تيلرسون قد اعترف في آب الماضي بوجود اختلافات في وجهات النظر مع الرئيس الأميركيّ حول الاتفاق النوويّ واصفاً العلاقة مع ترامب ب “الجيّدة”. أتى ذلك بعدما شهد شهر تمّوز تسريبات إعلاميّة عاصفة حول توتّر كبير بين الرجلين، وصف خلاله تيليرسون الرئيس الأميركيّ ب “الأحمق” أمام مجموعة من المسؤولين عقب اجتماع انتقد فيه ترامب تقليص واشنطن ترسانتها النوويّة. الخبر الذي نقلته “أن بي سي” الأميركيّة أشار أيضاً إلى نيّة تيليرسون آنذاك تقديم استقالته قبل أن يقنعه مسؤولون في البيت الأبيض بالعدول عن الفكرة. لكن يوماً بعد يوم، كان يتبيّن أنّ الرجلين سيصلان سريعاً إلى مفترق طرق قد يضطرّ عندها وزير الخارجيّة إلى مغادرة منصبه أكان عبر الإقالة أو الاستقالة. علماً أنّه في بيان الوداع، أشار #تيليرسون إلى أنّه كان يرغب بالبقاء في منصبه، قبل أن يتمنّى التوفيق لبومبيو. وكانت “أن بي سي” أيضاً قد ذكرت أنّ تيليرسون علم باستقالته من خلال التغريدة الرئاسية.

“عهد انتحاري”

شبكة سي أن بي سي تشير إلى أنّه من غير الواضح تأثير هذا القرار على مسؤولين آخرين في الإدارة الحاليّة، إذ إنّ تيليرسون وماتيس (وزير الدفاع) ومنوخن (وزير الخزانة) قد توافقوا على “عهد انتحاريّ” حيث سيستقيل بموجبه أي طرف إذا أقيل أحد هؤلاء الثلاثة. وقال المستشار في وزارة الخارجيّة جون سيتيليدس في حديث إلى مجلّة “ذا ناشونال ديسكورس” الأميركيّة: “في مايك بومبيو، يعتقد الرئيس ترامب أنّ لديه قائداً صلباً، هادفاً وفعّالاً يقاسمه مسار أفكاره بشأن القضايا الدوليّة الشاملة التي تواجه أميركا وحلفاءنا”.

وزير الخارجية الأميركي المعيّن حديثاً مايك بومبيو – “أ ب”

إلى جانب هذه الملفّات، طاول التناقض بين الرئيس ووزيره عدداً آخر من القضايا خلال المرحلة السابقة مثل إخراج ترامب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ وتأخره في ملء شواغر وزارة الخارجيّة. كذلك، سلّم ترامب ملفّات هي عادة من صلاحية وزارة الخارجيّة لمقرّبين منه مثل ملفّ السلام في الشرق الأوسط الذي أوكله لصهره جاريد كوشنر وترؤّس ابنته إيفانكا وفداً أميركيّاً لحضور قمّة المبادرة العالميّة في الهند خلال تشرين الثاني الماضي وغيرها. تلقي هذه الاختلافات ظلالاً من الشكّ على نيّة تيليرسون وقدرته حقّاً على الاستمرار في منصبه لفترة أطول لو لم يقرّر الرئيس الأميركيّ إقالته. على الأرجح، كان ترامب محقّاً حين قال: “أعتقد أنّ ريكس سيكون أسعد بكثير الآن”!

اضف رد