اخبار عاجلة
الرئيسية / home slide / عندما يلامس رجل الدّين حدود التهوُّر

عندما يلامس رجل الدّين حدود التهوُّر

09-07-2021 | 00:04 المصدر: النهار

سمير قسطنطين

الأب كميل مبارك

 يتصرّف بعض رجال الدّين أحياناً وكأنّهم جزءٌ من الأزمة القائمة في البلاد. هؤلاء لا ينسون فقط أنّ مهمّتهم الأساسيّة في الحياة هي الدعوة إلى التعقُّل والتراحم، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، فيصبّون على الزيتِ ناراً. ولا تبدو مرجعيّاتُهم متحمسّةً لإدانةٍ علنيّة لما يقوله هؤلاء.  آخرُ الكلام كان للأب كميل مبارك الذي قال: “إنّ البطريرك بشارة الراعي والبطريرك الراحل نصرالله صفير لا يمثّلان رأي المسيحيين”. وعن انفجار المرفأ قال: “الذي دمّر مرفأ بيروت هدفُه تهجير المسيحيّين وهو مؤامرة دوليّة إقليميّة”. كيف يستبق رجلُ دينٍ التحقيق بهذا الشكل!! كلام مبارك لم يكن المشكلة الوحيدة. النبرة كانت المشكلة الأقوى.  لكن الأب مبارك لم يكن رجل الدين الوحيد الذي قال على الهواء كلاماً لا تتوقّعه من رجل دين. فمفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو، قال قبل أيّام إن رئيس الجمهوريّة تحوّل إلى “ديكتاتور” كما أسماه، واتّهمه بأنّه “أصبح العدو الّلدود للرئيس سعد الحريري الذي يمثّل الشارع السنّي، وهذا يعني انه تحوّل ضدّ السنّة”. إنتهى الاقتباس.وكلّنا نذكر الفيديو الذي انتشر قبل أسابيع قليلة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، يُظهرُ شيخًا يقف أمام تعاونيّة “التوفير” في الصرفند، ويهدّد بإقتحام التعاونيّة متوعّداً: “سندخل بأرواحِنا إنتحاريّين”، وذلك على خلفيّة إخفاء السلع المدعومة. وقال الشيخ: “أُرسل رسالة تحذير إلى كل التعاونيّات في الصرفند، ففي حال أُخفيت البضائع المدعومة داخل المستوعبات سوف ندعس على رأس الذي خبّأها وندخل بأرواحنا إنتحاريّين إلى الداخل”.الشيخ صادق النابلسي من جهة أُخرى، شرّع التهريب على الحدود بين لبنان وسوريا قائلاً: “إنّ التهريب جزءٌ لا يتجزّأ من عمليّة المقاومة والدفاع عن مصالح اللبنانيين”. تأخذُني هذه التصاريح من رجال دين إلى أسئلةٍ لا أستطيع ألّا أطرحها: إذا كان هذا الكلام هو كلامُ رجالِ دينٍ من المفترض أن يدعوا في رسالتهم إلى الخير العام، فماذا نترك للناس العاديّين؟ إذا كان هذا يشرّع التهريب، وذاك يبرّر العُنف الانتحاريّ، وثالثٌ يستبق نتائج التحقيق في انفجار المرفأ ويُظهر انحيازاً في السياسة، ورابعٌ يتّهم رأس الدولة بأنّه “عدوّ السُنّة”، فماذا نترك لأشخاصٍ يعيشون في الشارع، يتحدّثون أصلاً بلغةٍ “زقاقيّة”، ومملوئين أحقاداً “من دون جْمِيلِةْ السياسيّين”؟!أنا شخصيّاً لا أجد مبرّراً لرجلِ دينٍ يُدلي برأيهِ السياسيّ في موضوعٍ سياسيّ لا من قريب ولا من بعيد. أفهم أن يُعطي رجل الدين رأيه في مواضيع تهمّ الناس من باب وضع خطوطٍ أخلاقيّة ومعايير قِيَميّة للعمل السياسي، ومن باب التعبير عن وجع الناس أمام الحاكم. لكن، ولأنّ لهذه المسألة إشكاليّة كبيرة لدى قسمٍ كبيرٍ من اللبنانيّين، لا أُريد هنا والآن أن أدخل في متاهاتها وإن كان للبحثِ صلة. لكنّي أُصرّ على القول إنّه إذا كان ليس من مناص لحديثِ رجلِ الدّين في الشأن العام، فإنّي أتوقّع منه أن يكون رحوماً إيجابيّاً لطيفاً حكيماً هادئاً موفِّقاً داعياً إلى حلّ المشكلة ومُقترِحاً حلولاً مُمكِنة لها بدل تأجيجِها، والتجييش ضدّ هذا أو ذاك، وزرع الأحقاد والفِرقة. إذا كُنتُ أنا رجلَ دينٍ وما استطعتُ أن أكون الحكيم والعقلاني، فعلى الأقل، أُفضّل ألف مرّة ألّا أكون المثير للأحقاد أو الانفعالات التي أنْهَكَت لبنان وكلَّ ناسه، وألّا أُلامس حدود التهوّر.