الرئيسية / مقالات / عندما وُقِّع “التفاهم” كان باسيل “غِرّاً”

عندما وُقِّع “التفاهم” كان باسيل “غِرّاً”


سركيس نعوم
النهار
20022018

ليست مُهمّة “الموقف هذا النهار” نكء الجراح وصبّ الزيت على النار أوّلاً لأن لا مصالح سياسيّة وغير سياسيّة لكاتبه، وثانياً لأن لا ارتباط له مباشر أو غير مباشر عقائدي أو سياسي أو مصلحي – ارتزاقي مع فريق أو أكثر من “الشعوب اللبنانيّة” المُتناحرة في استمرار، وأيضاً من الجهات المُتصارعة داخل كل منها سواء على الزعامة والوجاهة والمكاسب المتنوّعة والمناصب بدءاً من النيابة وانتهاء بالرئاسات الثلاث، أو على مشروعات وطنيّة وسياسيّة ودينيّة وطائفيّة ومذهبيّة، أو على هذه الأمور كُلّها. وثالثاً لأن لا ارتباط له بالجهات الإقليميّة المُتدخّلة بل المُتورّطة فيه من عربيّة وغير عربيّة وبالجهات الدوليّة إلّا بالصداقة والثقة اللّتين برهنتا له أن انتهاجهما يوفِّر من المعلومات والتحليلات والمُعطيات أكثر بكثير مِمّا يوفّره الانتماء الإيديولوجي – السياسي – الديني – المذهبي الأعمى والانتماء المصلحي – التكسّبي، كما يوفّر الكثير من الأخطار وإن كان لا يلغيها كلّها.

لماذا هذه المقدّمة وهذا الأسلوب اليوم، علماً أنّني لم ألجأ إليهما إلّا نادراً، إذ أنّني أبعد الناس عن النرجسيّة و”التُفَصْحُن” كما يقال في العاميّة؟ لأنّني سأخوض في سلسلة حلقات غير طويلة في العلاقة التي نشأت بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” في شباط 2006 بعد سلسلة من الاجتماعات بينهما، بدأت بعد عودة مؤسِّس الثاني العماد ميشال عون من منفاه الفرنسي إلى وطنه لبنان التي عجَّل في حصولها أمران. الأوّل استشهاد الرئيس رفيق الحريري الذي جمع في زعامته اللبنانيّة والعروبة والإسلام، وضرورة مشاركة عون بما يمثّل شعبيّاً، وهو كان كبيراً ولا يزال، في الانتخابات النيابيّة وتالياً في تقرير مصير البلاد التي انقسمت على نحو بالغ الخطورة، والتي عاد “الاهتمام الدولي” والإقليمي بها وأيضاً “الاشتغال” بها مُنذراً بتغييرات فيها لا تُلائم مصالح سوريا الأسد، فيتحوّل الصراع السياسي – المذهبي فيها حرباً بكل ما في الكلمة من معنى لا يمكن أن تكون إسرائيل التي في حال حرب وعداء مع لبنان بعيدة منه. أمّا الأمر الثاني فكان الاتصالات التي جرت في العاصمة الفرنسيّة خلال الأشهر التي سبقت العودة وسهَّلتها أو بالأحرى سمحت بحصولها، أولاً بين موفدين لرئيس الجمهوريّة في حينه العماد اميل لحود ومعروفين جيّداً وقد ذكر أبرزهم ذلك في كتابٍ له صدر لاحقاً، تمّ الاتفاق خلالها على كل القضايا غير السياسيّة المختلف عليها وعلى إقفال ملفّاتها وعلى وقف حجب الحقوق عن عون وضبّاطه. طبعاً لم يكن ذلك ممكناً من دون موافقة لحود وسوريا وتحديداً رئيسها بشّار الأسد ولا سيّما في مرحلة كانت وصايتها على لبنان شاملة بحيث دفعت أعداءها فيه وخارجه إلى وصفه بالاحتلال. كما أنّه لم يكن مُمكناً قبل لقاء على الأقلّ بين مسؤول سوري وبين عون في باريس. ذلك أنّ النظام فيها أراد تكريس أوّليته في قرار العودة والانفتاح على عون وتيّاره، وأراد سماع، وربّما أكثر من سماع، منه ما يطمئن إلى المستقبل. طبعاً عاد “الجنرال” إلى البلاد وكان واضحاً للمُتابعين بدقّة مسيرة التواصل واللقاءات أنه لن يبقى طويلاً في موقعه الطبيعي، أي في التجمّع المُتجانس وغير المُتجانس في آن الذي سُمّي فريق 14 آذار، وأنه سينتقل إلى الفريق المقابل له والمتُعادي معه أي 8 آذار. وهذا ما حصل. وربّما لعب في حينه الخوف من “التيّار” وشعبيّته في انتخابات نيابيّة قريبة سواء من جهات مسيحيّة وازنة وأخرى غير مسيحيّة في ابتعاده عن “فريقه الطبيعي”. وكانت تلك الخطوة الأولى في “مسيرة الأشهر” التي احتاج إلى القيام بها عون وتيّاره من 14 إلى 8 آذار. طبعاً صدم ذلك الكثيرين من المسيحيّين كما المسلمين السُنّة في معظمهم. وخَشي اللبنانيّون صراعاً مفتوحاً لأن تحالف “التيّار” مع “حزب الله” حقّق نوعاً من التوازن، في الداخل السياسي وليس “السلاحي”، ومكّن الرئيس لحود من رفض المطالبة باستقالته رغم انسحاب القوّات السوريّة من لبنان بضغط عربي – دولي تُرجم قراراً في مجلس الأمن. أمّا السبب في خوض “مغامرة” الكتابة عن علاقة الفريقين التي بقيت قرابة عشر سنوات من دون إشكالات ومشكلات وتباينات واختلافات جديّة، فهو التجربة القاسية التي مرّت بها في الأسابيع الأخيرة والتي وصلت ليس فقط إلى حدِّ التهجّمات المُتبادلة في الإعلام على تنوّعه وعلى وسائل التواصل الإجتماعي، بل إلى الاقتراب من الاشتباك الشعبي الذي تخلّلته ظهورات مُسلّحة من الفريقين ولا سيّما في الحدت بعد محاصرة مؤيّدي “الثنائيّة الشيعيّة” أو أحد طرفَيْها مقر قيادة “التيّار” في بناية ميرنا الشالوحي على ساحل المتن الشمالي. علماً أن خلافاتهم كانت بدأت خلال الأشهر التي استغرقها البحث في قانون الانتخاب. وأمّا السبب الثاني فهو أن ما حصل “هدّد” ولأوّل مرّة جديّاً “ورقة التفاهم” بين “الحزب” و”التيّار” وصار الحديث عن ذلك علنيّاً.

بماذا يمكن بدء الحديث عن هذا الموضوع المُهمّ والشائك؟

أجاب مُتابعون جديّون جدّاً لمرحلة العمل لإنجاز التحالف، ولمسيرته خلال عشر سنوات، وللاختلافات أو التباينات التي بدأت بينهما في الأشهر الأخيرة بالقول: “عندما وُقِّعت “ورقة التفاهم” بين “الحزب” وعون كان جبران باسيل العضو الناشط فيه “غِرّاً” أي شاباً وقليل الخبرة إلى حدٍّ كبير. طبعاً لا يمكن إنكار إسهامه في “الورقة” واشتراكه في وضعها. لكن الدور الأكبر في ذلك كان لـ”الجنرال” عون رئيسه في “التيّار” ثمّ عمّه أي والد زوجته، كما كان لأشخاص آخرين من “الحزب” ومن “التيّار” في الوقت نفسه”؟

اضف رد