14-07-2021 | 00:00 المصدر: النهار


على ماذا أنفقت أميركا 10 أو 5 مليارات دولار في لبنان؟
“نَقَشَت” مع “#حزب الله” عندما سمع ديفيد هيل وكان في حينه مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة للشؤون السياسيّة يقول في شهادةٍ له أمام إحدى لجان الكونغرس أنّ بلاده صرفت في #لبنان نحو عشرة مليارات دولار. إذ اعتبر كلامه “شهادة شاهد من أهله” فشغَّل ماكينته الإعلاميّة المُتنوِّعة والسياسيّة من أجل اتّهام الولايات المتحدة بالتدخُّل في لبنان، بل باستغلال حدثَيْن مُهمّين جدّاً فيها. الأول اندلاع “ثورة 17 تشرين الاول 2019” الشعبيّة التي ضمّت مئات الآلاف من اللبنانيّين الساخطين على دولة الفساد والظلم والاستبداد والإفقار والحكم انطلاقاً من تطبيق سياسة “فرِّق تسُد”. فالثورة الشعبيّة في لبنان كانت دائماً مستحيلة جرّاء الانقسامات الطائفيّة والمذهبيّة العميقة والحادّة في البلاد واستغلال الطبقة السياسيّة لها لإحكام قبضتها على جماهيرها وتالياً على الدولة والنظام والخيرات الوطنيّة، تماماً مثل استحالة الانقلاب العسكري. طبعاً كانت “الثورة” عفويّة وغير مُنظّمة، وبدا لاحقاً أنّها مُنقسمة مجموعات شعبيّة تغييريّة من دون برامج وأخرى يساريّة راديكاليّة وثالثة مخروقة من القوى السياسيّة الطائفيّة والمذهبيّة الكبرى في البلاد. لكنّها كانت “واعدة” في نظر أميركا بحسب “الحزب” فاندفعت في العمل مع قادتها من أجل تأطيرها وتنظيمها وإعدادها بل الاعتماد عليها من أجل تنفيذ تغيير صار لبنان في حاجة ماسّة إليه تلافياً للزوال. كما صار الأميركيّون في حاجة إليه أيضاً بعدما نجحت إيران الإسلاميّة بواسطة ابنها ووكيلها “حزب الله” في تحقيق نجاحات إقليميّة بواسطته كان أهمّها إضافة إلى تحرير لبنان من إحتلال إسرائيل التحوُّل قوّة إقليميّة سياسيّة – عسكريّة ذات دورٍ مهمّ في تطبيق مشروعها التوسُّعي في المنطقة. كان نجاح “الحزب” في منع انهيار نظام سوريا ورئيسها بشّار الأسد على يد الثورة الشعبيّة الإصلاحيّة التي تحوَّلت حرباً عسكريّة طاحنة تداخل فيها الدين والإرهاب والطوائف والمذاهب والمصالح الإقليميّة والدوليّة أهمّ إنجازاته الإقليميّة. علماً أنّ دور إيران في إنقاذ الأسد ونظامه حتّى الآن ما كان ممكناً لولا تدخُّل روسيا عسكريّاً بطلب رسميٍّ من طهران.
أمّا الحدث الثاني الذي استغلّته أميركا في رأي أعدائها وفي مقدّمهم “حزب الله” فكان تفجير مرفأ بيروت في 4 آب الماضي أو انفجاره إذ أعاد بمآسيه زخم “الثورة الشعبيّة” ولكن المُنقسمة إلى عشرات بل مئات الجمعيّات والاتحادات. لا يمكن في هذا المجال تجاهل الانهيار السياسي – الحكومي – النيابي – الاقتصادي – النقدي – المصرفي وتحلُّل الدولة ومؤسّساتها ووقوفها على شفير الإفلاس وغرق شعوبها في فقر وعَوَزٍ كبيرين. إذ أنّه مع الحدثَيْن المذكورَيْن أعلاه جعل تحرُّك الولايات المتّحدة وحلفائها من أوروبيّين وعرب في لبنان مطلوباً جرّاء عجز إيران الإسلاميّة وحتّى موسكو وبيجينغ عن توفير كل ما يلزم لإنقاذ لبنان من أزماته المستعصية المذكورة، وذلك رغم “البروباغاندا” الداعية لبنان إلى الاتجاه شرقاً من أجل إنقاذ نفسه. علماً أنّ أصحابها يعرفون أنّ ذلك ليس سهلاً فقط على اللبنانيّين المُنقسمين شعوباً وطوائف ومذاهب بل حتّى على كبار الشرق الذين يُجرون حسابات دقيقة قبل أيّ خطوة يخطونها أو قرار يتّخذونه بسبب إمكاناتهم أوّلاً وردود فعل الكبار الآخرين في العالم عليهم ثانياً. علماً أنّهم لا يُمانعون في “البروباغاندا” لأنّها مُفيدة لهم في كلّ الأحوال.
طبعاً شعر “الحزب” وحلفاؤه بالسعادة يوم أعلن هيل حجم المساعدة الماليّة للمعادين له من اللبنانيّين وللساعين إلى التخلُّص من طبقة سياسيّة فاسدة يحميها هو في رأيهم، ومن نظام يُحاول أنّ يؤسِّسه ويعتبرونه هم معادياً للحريّات على أنواعها. لم يجد الأميركيّون في بيروت وفي واشنطن ما يستطيعون أن ينفوا بواسطته هذا الأمر إلّا القول أنّ هيل أخطأ في الرقم إذ أنّه لا يتجاوز على الأرجح خمسة مليارات دولار. على ماذا تُصرف وسيستمرّ صرف هذه الأموال؟ يُجيب متابعون لبنانيّون لأوضاع بلادهم ومداخلات الخارج فيها أنّ أميركا وحلفاءها الخليجيّين يُساعدون كي يتمكّن الثوّار من توحيد مجموعاتهم وتأطيرها بهدف خوض استحقاق الانتخابات النيابيّة المُفترض أن تجري بين شهريّ أيار وحزيران المقبلين ومن أجل تحقيق نجاحات مُهمّة تجعلهم قادرين من داخل مجلس النوّاب وخارجه في آن على الدفع في اتّجاه مسيرة إصلاح جديّة في البلاد. لكنّهم يستبعدون أن يُحقّق هؤلاء نجاحاً مرموقاً أو مقبولاً في الانتخابات. إذ أنّهم سيحصلون على ما بين سبعة وعشرة وفي أقصى حد عشرين مقعد نيابي. وهو رقم متدنٍّ وعاجز عن إطلاق معركة التغيير. علماً أنّ كثيرين يعتقدون أنّ هناك مبالغة في صغر حجم هذا الرقم. طبعاً الانتخابات في لبنان ليست فقط “ثوّاراً” تأطّروا داخل مجموعات وأحزاباً، وليست فقط أموالاً تأتي من الخارج أو من مُتموّلين في الداخل. بل هي أيضاً قانون انتخاب عادل يسمح للبنانيّين بالتعبير في حريّة عن خياراتهم الانتخابيّة، وهي سلطة قادرة على توفير الحماية للناخبين كلّهم، وذلك كلّه غير متوافر. فالسلطة هي تجمّع يضمُّ قادة الطوائف والمذاهب والشعوب الذين استعملوها لجني المكاسب الخاصّة ولتوطيد سُلطتهم في البلاد وللاستمرار في الاستيلاء على ثرواتها. هذا فضلاً عن عدم وجود ضمان لإجراء الانتخابات في موعدها أو وفق قانون عادل. فهل سيسمح المُمسكون بالبلاد بانزلاقها من بين أيديهم، وهل ستتحمَّل عنهم شعوبهم نتائج ذلك هي التي تعتبرهم حُماتها طائفيّاً ومذهبيّاً؟
في النهاية لا يمكن إنكار أنّ الأقوياء المُمسكين بلبنان قلقون رغم تأكّدهم من قدرتهم على الاستمرار إلى أن يقضي الله أمراً كان كان مفعولاً. ولا يمكن إنكار أنّ أخصام هؤلاء أقوياء وقلقون في الوقت نفسه. فالخارج الداعم لهم يقلُّ التزامه معهم عن التزام الخارج الداعم لأخصامهم بل أعدائهم. فضلاً عن أنّ المشكلات بين الخارجَيْن قد تُحلّ بالحوار والتفاهم، وإذا تعذّرا فإنّ حلفاء كلٍّ منهما في لبنان وحتّى خارجه يتقاتلون ليس لحسم الخلاف بل لتذليل العقبات أمام التسويات التي لن تكون يوماً في مصلحة الضعيف والمُنقسم أي لبنان وشعوبه.
ملاحظة: لا يمكن إنكار أنّ قسماً مهمّاً من #المساعدات الأميركيّة الماليّة وغير الماليّة كانت لجيش لبنان. كما كانت لمؤسّسات أهليّة وبلديّات و… عبر مؤسّستي USAID وFOREIGN AID.
sarkis.naoum@annahar.com.lb