راجح الخوري
النهار
17042018
بعد ستة أيام من التحضير والعمل على الخط الساخن بين واشنطن وموسكو [راجع تصريحات جيمس ماتيس]، ليس كثيراً ان يقول النظام السوري إن الهجوم الثلاثي الصاروخي على مركز برزة قرب دمشق، ومخزنين للأسلحة الكيميائية قرب حمص، لم يكن أكثر من “عقصة برغشة”. لكن ما لا يصدق ان يعلن رئيس العمليات الروسي سيرغي رودسكوي أنه تم إسقاط ٧١ “برغشة مجنحة” بدفاعات سورية قديمة، خلافاً لرأي وزير الدفاع الأميركي الذي أكد ان صواريخه المجنحة أصابت أهدافها الكيميائية الثلاثة ودمرتها، بعدما تم التفاهم سلفاً مع موسكو على عدم الإصطدام جواً.
بالنسبة الى النظام السوري كانت “عقصة برغشة”، أولم تشاهدوا الرئيس بشار الأسد يدخل صباحاً بكامل قيافته حاملاً حقيبته من دون مرافقين ويعبر البهو الفارغ من الحراس والمرافقين في القصر الجمهوري بعد ليلة نام فيها قرير العين. حتى بالنسبة الى المعارضة السورية الموغلة في الأوهام، كانت عقصة برغشة لأن المطلوب كان إقتلاع الأسد من الحكم… مساكين!
فلاديمير بوتين سارع الى قرع أبواب مجلس الأمن شاكياً، لكأنه أقام وزناً للشرعية الدولية، التي غالباً ما يتحدث عنها، لكنه نحرها ١٢ مرة بسكاكين “الفيتو” في الأزمة السورية. أما الإيرانيون الذين باتوا يضعون يدهم على كل شيء في دمشق تقريباً، فإنهم لا يغيّرون من تهديداتهم المعروفة بأن أميركا غارقة حتماً في الهزيمة في المنطقة نهاية الأمر… غريب!
بغض النظر عما اذا كانت الضربة الصاروخية الناجحة وفقاً للصور، ستؤدي الى وقف السلاح الكيميائي أم لا، تبدو أميركا وحلفاءها الغربيين غارقين في وهمين:
الوهم الأول ما تردد في اليومين الماضيين في محتوى تصريحات المسؤولين في واشنطن وباريس ولندن، من رهان على إمكان ان تفتح الضربة الصاروخية الأبواب أمام التسوية السياسية المعطلة لا بل المرفوضة، على قاعدة عملية انتقال سياسي وانتخابات لتشكيل سلطة جديدة بإشراف الأمم المتحدة. والمسخرة هنا ان واشنطن لا تزال تتحدث عن رهان على ستافان دي ميستورا، الذي يضعه سيرغي لافروف في الإستيداع هو وفاعليات مؤتمر جنيف الذي تمّ دفنه في سوتشي!
الوهم الثاني ان إطلاق ١٠٠ صاروخ على ثلاثة مواقع كيميائية في سوريا سيضع حداً نهائياً لإستعمال هذه الاسلحة، أو سيدفع بوتين فعلاً الى إلتزام ما تعهده في أيلول من عام ٢٠١٣ بأن يسلّم الأسد ترسانته الكيميائية الى مفتشي السلاح الكيميائي في الأمم المتحدة، وهو ما تبين فعلاً أنه مجرد أوهام عندما تقول نيكي هايلي انه استعمل هذا السلاح أكثر من خمسين مرة.
واشنطن ولندن وباريس تهدد بتكرار الهجوم على أي عملية كيميائية لكن هذا لن يغير من مسار الصراع الطويل في سوريا… فعلاً عقصة برغشة!
rajeh.khoury@annahar.com.lb
Twitter:@khouryrajeh