المسافة بين كارمنشاه ودير الزور هي نفسها بين بوشهر والرياض…مجرد تغريدة إيرانية على “تويتر”، الا أنها تنطوي على بعض من الدلالات الكثيرة التي حملتها الصواريخ الايرانية العابرة للحدود والتي اختارت دير الزور محطة لها.
- موناليزا فريحة
- 19 حزيران 2017لم توفر #ايران وسيلة لم تحتف بها بالرسالة الصاروخية التي اختارت دير الزور وجهة لها. الفيديوات القريبة كما البعيدة للصواريخ تنافست على منصات الاعلام الحربي منه وغير الحربي. ونشر حساب المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي على “إنستاغرام” صورة لأحد الصواريخ مع عبارة “سنصفعهم”. وعلى الطريقة الاميركية، التقطت طائرة من دون طيار صوراً لصواريخ تصيب أهدافاً، على الارجح في مدينة الميادين بدير الزور.
وليس خافياً أن الصواريخ حملت رسائل أبعد من الرد على “داعش”. فايران التي تحرك الاف المقاتلين في سوريا، ليست بحاجة الى صواريخ عابرة لضرب التنظيم.
ولكن أياً تكن الاهداف التي أصابتها، بدا واضحاً أن ايران تحدت أميركا مباشرة بهذه الهجمات. ففي الفترة الاخيرة، شهدت سوريا ثلاث مواجهات مباشرة بين القوات الاميركية وقوات تدعمها طهران. وحصلت المواجهات الثلاث في التنف، على الحدود السورية-العراقية-الاردنية. وفي الحالات الثلاث اقتربت قوافل من مقاتلين تابعين لميليشيات موالية لنظام الرئيس بشار الأسد، من قوات أميركية تدرب مقاتلين محليين، فردت مقاتلات أميركية بغارات موجعة.
وكانت ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وجهت تحذيراً لطهران على خلفية تجاربها الصاروخية البالستية.
مراجعة للسياسة الايرانية
وفي خضم السباق الايراني-الاميركي الى دير الزور، نشرت صحف اميركية أخيراً أن اثنين من كبار المسؤولين في البيت الأبيض يضغطان لتوسيع الحرب في سوريا، معتبرين أنها فرصة لمواجهة إيران والقوى التابعة لها على الأرض هناك.
ومنذ أشهر، تجري الادارة الاميركية مراجعة للسياسة الإيرانية تشمل تدقيقاً في دور المسؤولين العسكريين الإيرانيين وأتباعهم والذين يدعمون نظام الأسد، إضافة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
ويقول مسؤولون إن التقويم كشف انقسامات داخل الإدارة الأمريكية حيال طريقة مواجهة إيران ومكانها
وعلق الصحافي الايراني صادق قرباني، ومقره طهران، في تغريدة على “تويتر” على الضربات الصاروخية بأن طهران تعرض عضلاتها ضد “داعش” بصواريخ باليستية أقر مجلس الشيوخ الاميركي قبل أيام عقوبات على طهران بسببها.
السعوديون والاميركيون
وكان خامنئي شن أمس هجوماً لاذعاً ضد ادارة ترامب ، مؤكداً أن بلاده «لا تعبأ» بهذه الافتراءات ضدها. وأوضح، خلال استقباله لعدد من أسر شهداء حرس الحدود، أن “الأميركيين حاولوا مراراً تغيير نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنهم فشلوا”. ووصف مسؤولي الإدارة الأميركية بأنهم “مبتدئون وعديمو الخبرة ولا يعرفون ماذا يفعلون”.
وحصلت الضربة الايرانية على تأييد ايراني سياسي وعسكري جامع.
وأبلغ الجنرال رمضان شريف من “الحرس الثوري” الى التلفزيون الايراني أن الصواريخ لا توجه رسالة الى المتطرفين فحسب، قائلاً إن” السعوديين والاميركيين هم أيضاً متلقون للرسالة. الواضح أن بعض البلدان الرجعية في المنطقة، وخصوصاً السعودية، أعلنت أنها تحاول ضرب استقرار ايران”.
ذو الفقار
وقدر خبراء أن الصواريخ التي أطلقتها ايران على دير الزور أمس هي من نوع “ذوالفقار” التي كشفت في أيلول 2016 ووصفت في حينه بأنها تحمل رؤوساً حربية عنقودية وقادرة على ضرب أهداف على مسافة 700 كيلومتر، وهو ما يجعل مقر القيادة الاميركية المركزية في قطر والقواعد الاميركية في الامارات والاسطول الخامس في البحرين، في مرماها.
وتباهى مغردون بأن طهران قادرة على ضرب الرياض. وكتب أحدهم أن “المسافة بين كرمنشاه ودير الزور هي نفس المسافة بين بوشهر والرياض”.
وفيما تملك ايران ترسانة واسعة من الصواريخ الباليستية تقول إنها قادرة على ضرب أهداف أبعد، يبدو أن الصواريخ التي أطلقتها الاحد هي الابعد مدى تستخدمها حتى الان.
وأفادت وكالة “أسوشيتد برس” أن الضربة الصاروخية الايرانية الخارجية الاخيرة تنفذها ايران كانت في نيسان 2001 ضد مجموعة ايرانية منفية في العراق، فيما أفادت “وكالة الصحافة الفرنسية” أنها المرة الاولى تستخدم ايران صواريخ في الخارج منذ الحرب الايرانية-العراقية.
اسرائيل
ولم تعتبر اسرائيل نفسها بمنأى عن الرسالة الصاروخية الايرانية. فعندما كشف صاروخ “ذوالفقار” للمرة الاولى عام 2016، رفعت عليه لافتة كتبت فيها جملة قالها خامنئي عام 2016، وهي أن “ايران ستمحي تل أبيب وحيفا إذا هاجمت اسرائيا ايران”.
وأفاد مسؤولون أمنيون اسرائيليون اليوم أنهم يدرسون الضربة الصاروخية، لمعرفة ما يمكنهم أن يعرفوا عن دقتها وقدراتها.
وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو: “نرصد تحركاتهم. ونتابع تصريحاتهم…لدي رسالة واحدة لايران: لا تعددوا اسرائيل”.
ومن جهتهم، أطلق مسؤولون ايرانيون سلسلة تهديدات، بمن فيها من القائد السابق ل”الحرس الثوي” الجنرال محسن رضائي الذي كتب على “تويتر: “الصفعة الكبرى لم تأت بعد”.
دلالات اضافية
الباحث في الشأن الايراني بنده يوسف سجل ل”النهار” دلالات إضافية للغارات، وهي:
لطالما شكك الغرب في القدرات الصاروخية لايران ، معتبراً صواريخها الباليستية خصوصاً لا تزال في طور التجريب، وهو كانت تنفيه إيران عبر اطلاقها للصواريخ الموجهة للفضاء. وتأتي الغارة الاخيرة لتثبت هذه القدرات.
-انطلقت الصواريخ من منطقة كرمنشاه ذات التركيبة الكردية والسنية، لتؤكد على أن كل المناطق الايرانية تدخل في إطار أمنها، وليس هناك مناطق انفصالية كما يروج بعض الاعلام.
-الضربة جاءت في اتجاه مباشر بصواريخ متوسطة المدى وقطعت مسافة من الاجواء العراقية، لتؤكد طهران أن قواعدها الصاروخية لم تنشأ اعتباطيا، وأن كافة الأهداف في مرمى نيرانها، وهو ما تكرره في تهديداتها للقواعد الأمريكية في المنطقة.
-بعد تهديد الرياض لطهران بأن التصدي لنفوذ دولة الملالي يجب أن ينتقل إلى الداخل، وانه حان الوقت لتغيير النظام الإيراني، وبعد الهجمات الإرهابية على البرلمان وضريح الخميني، وبعد تهديدات ترامب ووزير خارجيته ريك تيلرسون بوجوب تغيير النظام الإيراني، رد خامنئي على ترامب وإدارته ب “أننالسنا من نتلقى الصفعات من عدونا، بل إيران هي من ستوجه هذه الصفعات”، وهو ما جاء على شكل الضربات الصاروخية.
-تزاممنت الضربات مع مناورات بحرية إيرانية-صينية في مياه الخليج، وهو ما يعني أن إيران تقول انها ليست وحدها، وأن هناك حلفاء تتشابك معهم المصالح.
-كذلك جاءت الضربة تزامنا مع تحركات من الجيش السوري وحلفائه تجاه تطويق الطرق المؤدية لمدينة دير الزور.
-بعد القطيعة الخليجية مع قطر، ترد طهران بأن هذه القطيعة بسبب ممانعة قطر تجاه الموقف السعودي الذي أراد أن يستغل وجود إدارة ترامب لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة والتوجه لحصار إيران واسهدافها بشكل مباشر من خلال تشكيل تحالف عربي سني وكذلك تدخل فيه اسرائيل. وهو ما حذرت طهران منه تكرارا، وهذه الضربات دليل على جدية تهديداتها، خاصة انها لم تهتم بوجود القوات الاميركية داخل سوريا.
-تؤكد الضربة الصاروخية انه من المستحيل أن تتنازل ايران عن برماجها الصاروخي الذي بنت عليه قوتها الدفاعية.
-الرسالة التي وجهتها طهران ليست عادية، فالتنسيق مع دول الجوار، واستخدام الطائرات المسيرة ونجاح صواريخ محلية الصنع، كلها تشير الى أن طهران لا تمزح في تهديداتها وانها لن تتساهل مع اي اجراء يمس أمنها. كذلك، أكدت طهران أنها تملك تكنولوجيا قادرة على تصديرها إلى حلفائها في المنطقة.
-الهجوم على طهران كان مؤلما ولعب دورا في تعبئة الجميع حول النظام، وهو ما جعل شخصية اصلاحية مثل زعيم تيار الأمل محمد عارف يعلن موقفه المؤيد للضربات الصاروخية.