الرئيسية / أضواء على / عبود لـ”النهار”: الإدارة “فالتة” ونحتاج إلى حالة طوارئ لمكافحة الفساد

عبود لـ”النهار”: الإدارة “فالتة” ونحتاج إلى حالة طوارئ لمكافحة الفساد

كلوديت سركيس
النهار
22102018

“الادارة فالتة”. هكذا يبدأ رئيس الهيئة العليا للتأديب القاضي مروان عبود كلامه في حديث الى “النهار”. ويستطرد: “كنا نتمنى ان يكون الوضع أفضل، لكن بعض الامور مأسوية رغم كل الجهود التي تبذل. كيف يمكن ان أرى موظفا يتشاجر مع رئيسه في الادارة او موظفين يتشاجران في ما بينهما، ويتقاذفان التهم في الاعلام عن سرقات كبيرة وعقارات كبيرة لا يفترض ان يملكها موظف. ولا أحد يتحرك. وفي حال حصل تحرك يكون شكليا. وفي المقابل نجد شبانا يفترشون الطرق بحثا عن فرصة عمل لانهم يؤمنون بالوطن. غير المؤمنين به هاجروا. ان معنويات عامة الناس محطمة والجميع في حالة قرف. ويعزو عبود السبب الى “توقف المؤسسات عن العمل. وعندما تدب الفوضى في الشارع يتحول الاعلام الى منابر محاكمة يجب ان تكون في إطار القانون والمؤسسات الرقابية والمحاكم”.

أي قضية تقصد؟ يجيب: “كلامي في المطلق. على المؤسسات ان تقوم بدورها وان تأخذ على عاتقها كل شاردة وتقيسها وتعطيها مجراها القانوني. فحالة التململ كالمياه، إن جرى حصرها من غير البحث عن مصرف ستفيض كالنهر وتأخذ كل شيء في طريقها، لذا على الاصلاح ان تكون له أقنية ومجار يقتضي تنظيفها لتجري المياه فيها والا تتحول الى الطرق”.

التجاذب السياسي

هل التجاذب السياسي هو السبب؟ يقول: “أعتقد ان ثمة قرارا سياسيا عند رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومعظم الكتل النيابية بأن يتم عمل كبير لتخليص البلد من هذا الفساد. ننتظر تشكيل الحكومة لنرى الى من ستسند وزارة مكافحة الفساد”.

لا يعتبر عبود كلامه على الحالة المزرية سوداويا، انما انا اتناول الامور كما هي. وهذا الواقع يجب ألا يثنينا عن العمل وإعادة وضع القطار على السكة لنبني البلد، لانه لا مكان آخر لنا نلجأ اليه. خلقنا فيه وسنموت فيه”.

وهل يمكنه ان يقوم بواجبه اليوم؟ يجيب: “أنا المحكمة. إذا لم يقبض رجل الامن على المجرم فهل تقبض المحكمة عليه؟. تسلمت ملفا واحدا سبق ان فصلت فيه قبل عامين. تردنا ملفات من الادارة وليس من الاجهزة المولجة إحالتها علينا. الادارة تحيل صغار الموظفين علينا. بتتنا 31 ملف فساد هذه السنة، عزلنا بنتيجتها 12 موظفا في مؤسسات المياه لارتكابهم اختلاسات. هذه المؤسسات مهمة جدا وإستراتيجية لان لا حياة بلا مياه. ولبنان غني بينابيعه ومياهه، لكنها مقطوعة عن منازل الناس. المعزولون كانوا مسؤولين عن جباية الاموال ولم تكن تصل بكاملها الى الصناديق، ما يعكس غياب الرقابة والمحاسبة. كان يجب كشف أمرهم من زمان. قاموا بالسرقة على مدى عشرة أعوام، وبلغت محصلة كل منهم نحو 300 مليون ليرة. نحن في صدد استرجاع هذه المبالغ. اوقفنا رواتبهم وتقاعدهم ونضع إشارات على أملاكهم بقصد إلقاء الحجز عليها. هؤلاء إنكشفوا ولكن من يثبت لي حجم غير المكشوفين؟ يقول السيد المسيح إن الحصاد كثير لكن الفعلة قليلون. هناك فساد كبير وهناك عمل كبير اما الفعلة فقليلون، فمن يريدون مكافحة هذا الفساد قدرتهم محدودة وعددهم قليل”. وتوقع أن تصدر حتى نهاية السنة أحكام في حق نحو 50 موظفا، تتصل بأمناء صناديق في بلديات وموظفين في مستشفيات حكومية يخضعون للتحقيق في قضايا اختلاس أموال وسرقة أدوية ومازوت. ولكن لا نزال نعمل في ملفات لفئات دنيا ولم نبدأ بالرؤوس الكبيرة التي تحتاج الى قرار لإحالتها على الهيئة العليا للتأديب من السلطة السياسية بموجب مرسوم إحالة او بقرار من هيئة التفتيش المركزي”.

وعن التنسيق مع التفتيش المركزي يقول: “أنا أتمنى التنسيق مع كل الناس. نيته جيدة ويريد العمل ونحن أيضا. ثمة حلقة ضائعة. ضابط الايقاع لمكافحة الفساد في الدولة غير موجود. فهناك المجلس الاعلى للدفاع للقوى الامنية يضبط الايقاع بين الاجهزة الامنية. ونحن يجب ان نستحدث جهاز هيئة عليا يسمى المجلس الاعلى لمكافحة الفساد يضم كل الهيئات الرقابية والقضاء الجزائي، يجتمع دوريا برئاسة رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية. فلتعلن حالة طوارئ إدارية سريعا على غرار حالة الطوارئ الامنية، ولينطلق العمل فورا”.

المرتشون على حالهم

ويسجل عبود خيبة أمل، “لأنه عند إقرار سلسلة الرتب والرواتب وعد الموظفون بالقيام بعملهم “جالسين” لان رواتبهم زادت، إلا أنهم ماضون كما في السابق رغم كلفة السلسلة التي فاقت التقديرات بثلاثة أضعاف وأحدثت عجزا كبيرا في الموازنة. وفي المقابل وعد المسؤولون عن الجباية بزيادة التحصيل مع زيادة النفقات، الا ان التحصيل لم يزد لان الفساد لا يزال مستمرا ولا يزال الموظفون الذين كانوا يرتشون على منوالهم. هم يثرون فيما الخزينة تفتقر، وزادت الاعباء عليها في دفع رواتب الموظفين، ما يؤدي الى مزيد من الانهيار. يجب كبح الفساد بسرعة وإعادة زيادة الواردات للموازنة لمواجهة الاعباء. من حق المواطن وقف الاهدار ونيل الخدمة بأقل سعر ممكن وإلا سيفرغ لبنان من أهله. فشبابه يهاجرون ويستفيد الخارج من طاقاتهم، فيما أهلهم يموتون في المأوى. هذه مأساة كبيرة. والادهى من الفساد المالي هو فساد تلوث الماء والهواء والمولدات والرؤوس. إن الفساد في لبنان لم يعد قضية إدارة. أصبح قضية وطن ووجود ومصير وليس أقل خطرا من العدوان الاسرائيلي والحرب الاهلية لانه ينخر في جسم الوطن”.

كسل الدولة

الى أي مدى أنتم قادرون على العمل كجهاز رقابي؟ يقول: “إن نظرنا الى حجم الفساد يمكن ان نيأس. يجب معالجته جزءا جزءا. عندي كل الاستعداد ولكن لا يمكنني بمفردي لأن المسألة عمل متكامل مثل الفرن”.

وهل هناك عقبات سياسية في وجه مكافحة الفساد؟ يعتبر أن “ملف الموظف يجتاز مراحل عدة ليصل الي. انا المقصلة. والمراحل الاولى غير موجودة ولا أتلقاها. وليس بالضرورة ان تكون العقبات سياسية. يمكن ان تكون كسل الدولة. الدولة كلها كسولة وتأقلمت مع هذا الواقع على مدى 40 عاما. هي ذهنية اعتياد العمل والتفكير في هذه الطريقة”.

وينبه عبود الى “أن التغييرات الكبيرة تسبقها خضات كبيرة على الارض دائما. نأمل الا يحصل ذلك. فالفقر والجوع الى ماذا يؤديان؟ ألمس فقرا وجوعا كثيرا وخصوصا في هذه الفترة. وهناك سوء في توزيع الثروة. هناك من لا يستطيعون شراء ربطة خبز وآخرون يعيشون ثراء فاحشا”.

ماذا عن تعميم الرئيس سعد الحريري عن سياسة عدم تجاوز سقف الانتاج والتشدد في إعطاء المكافآت للموظفين؟ ينوه بالرئيس الحريري “فهو رجل آدمي وصادق. ورث حملا كبيرا ويحاول العمل بالتي هي أحسن. شرحت أمر السلسلة. ويجب التثبت إن كان الموظفون يعملون بالاجر الذي يتقاضونه، إضافة الى أن إقرار السلسلة كان مشروطا بزيادة الواردات. المكافآت تخضع لرقابة وزارة المال والاجهزة الرقابية لكن في النهاية على الموظفين ان يدركوا أن هذه المكافآت ليست حقا تلقائيا لهم لانها ترتبط بالانتاجية والانجازات. اليوم زادت رواتب الموظفين ويجب ان تخصص المكافآت للموظف الصالح المتفاني، وإخضاعها لرقابة دقيقة. لا يمكن المضي في نهج نجاح كل الموظفين في الصف. ثمة حاجة الى تقويم سنوي لهم. ومن يرسب بالكفاءة والانتاجية والعمل يذهب الى البيت. العاطلون عن العمل بالآلاف وثمة موظفون في الدولة يشترون منازل في الخارج ويسافرون مرات سنويا على حساب المواطنين. يجب ان يتنحوا ويفسحوا المجال امام الشباب في الادارة لاسترجاع القيم الاساسية التي بنيت على أساسها جمهورية الرئيس فؤاد شهاب في الستينيات”.

ويشير الى أن “هناك 100 ألف موظف في الادارات والمؤسسات العامة تابعون للهيئة العليا للتأديب، ينجزون 12 مليون معاملة في السنة، بمعدل مئة معاملة في الشهر. أليس بين هذا الكمّ من المعاملات مئة مخالفة للقانون تحال على الهيئة؟. ما دام هذا الرقم متدنيا فلا نية للاصلاح. وأسلافي طالبوا بالأمر نفسه وتقاعدوا او توفوا والحرقة في قلبهم. آمل الا أتقاعد ويبقى كلامي حبرا على ورق. لفتني أحد عناوين “النهار” عام 1974 وكأنه اليوم، وقد شكا العميد ريمون إده فيه انقطاع المياه والكهرباء، فما أشبه اليوم بالأمس”.

بائع الفلافل

ماذا عن كلامه بأفضلية إستبدال العمل في القضاء ببيع الفلافل؟ يقول القاضي عبود: “لم أقصد الذم بالقضاء الذي هو رسالة سامية، ولم أقصد الذم ببائع الفلافل الذي أحترم، او الاساءة الى أحد. ولكن أحيانا وانا عائد من عملي الى المنزل، وأكون حزينا وكئيبا من واقع الملفات أمامي، ألاحظ في طريقي بائع فلافل يدخن النارجيلة امام محله، فيما الموظفون يبيعون السندويشات. أشعر بأنه إنسان سعيد مرتاح البال ولا يحتاج الى كثير من التفكير او المخاطرة، وعمله جيد. وجدت ان الحياة لا تحتاج الى الكثير لنكون سعداء. أشغل أرفع المراكز في لبنان وأشعر بأنني أنوء تحت وطأة همّ وحزن ومسؤولية وعدم تحقيق الهدف والشعور برجولية منتقصة. اما بائع الفلافل فيعيش مرتاحا ومسرورا ويحقق هدفه في الحياة، وهو مكتف، فيما أنا لا أشعر بالرضى لان المهمة التي انتدبت لها لا أستطيع القيام بها، باعتبار أن الظرف لا يسمح لي بالقيام بها على ما يرام. لذا أتمنى أن أكون مكانه”.

اضف رد