
أحمد عياش
14-10-2020 | 14:53 المصدر: “النهار”

المشهد على الحدود اليوم (نبيل إسماعيل).
A+A- حتى ساعة متقدمة من ليل الثلثاء – الأربعاء، كانت تحضيرات الوفد ال#لبناني إلى مفاوضات الناقورة، بعسكرييه ومدنييه، قائمة على قدم وساق، على رغم بيان الفجر الذي أصدره الثنائي الشيعي اعتراضا على تشكيلة الوفد. فهل هناك تبرير لهذا “التمرّد” الذي يمارسه القائد اللبناني للمفاوضات، أي رئيس الجمهورية ميشال عون في وجه من قرر انطلاقها، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري، ووفر لها الدعم الحقيقي أي “#حزب الله“؟ لم تخفِ أوساط سياسية بارزة، كانت لها الصدارة في قوى 14 آذار السابقة تهكمها من هذا “الاشتباك” الدائر ظاهرياً بين أهل البيت الحاكم الذي يضم الثنائي والرئاسة الأولى، ولكنه يخفي في مضمونه اتفاقاً على “كل شاردة وواردة تتصل بهذه المفاوضات” على حد ما قالته هذه الأوساط لـ”النهار”. وأوردت دليلاً على اتفاق هؤلاء، أن اعتراض رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب على التصرّف اللادستوري الذي مارسته الرئاسة الأولى في انفرداها بتشكيل الوفد الذاهب إلى المفاوضات بعيداً من موافقة السلطة التنفيذية رئيساً وأعضاء، لم يجد أي صدى فعلي لاسيما عند الثنائي الذي بدا محرجاً فقط عندما دخل الرئيس فؤاد السنيورة على خط الاعتراض على الرئيس عون، وكان يتمنى لو أن صوت الرئيس دياب بقي وحيداً. وتخلص هذه الأوساط إلى التساؤل، وبتهكم أيضاً: “ألا يستأهل موضوع المفاوضات الأخطر من نوعه منذ عقود أن لا يصدر بيان الثنائي في غفلة الفجر، ويطلّ في وضح النهار قولاً وفعلاً؟”. في موازاة ذلك، بدا لافتاً جداً عند المراقبين هذا “التجاهل” المفرط في #طهران حيال قضية المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، فيما هي حاضرة بقوة في كل شاردة في لبنان ولاسيما في ملف تشكيل الحكومة؟ وحتى لا يبدو هذا “التجاهل” اعتراضاً على المفاوضات، بدأت وسائل إعلام النظام الإيراني التحضير لأجواء التفهم لهذه الخطوة التي تعني جلوس ممثلي بلد يفاخر المرشد الإيراني بأنه جزء من الهلال الفارسي الممتد من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط في غرفة واحدة مع “الشيطان الأكبر”(الولايات المتحدة الأميركية)، ومع بلد له عنوان أطلقه مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني هو “الموت لإسرائيل”. ومن ضمن التحضير لـ”أجواء التفهم” هذه، راحت هذه الوسائل تنشر تحليلات لمعلقين لبنانيين هم من الضيوف الدائمين في هذه الوسائل الذين بدأوا قبل أيام يميلون إلى “فوائد” المفاوضات بعدما كانوا قبل ذلك “يحذّرون” من أضرارها. ومن نماذج هؤلاء المعلقين، أحدهم كتب في صحيفة “كيهان” التابعة للمرشد عشية انطلاق المفاوضات قائلا: “إنّ الوفد اللبناني بحاجة الآن إلى كلّ الدعم والمؤازرة الوطنية، لأنّ التماسك الوطني مع الوفد المفاوض من شأنه أن يشحذ إرادة الوفد ويرفع من معنوياته ويؤكد ثقته بنفسه ويشجعه على التمسك بصلابة بالحقوق الوطنية دونما خضوع لأيّ ضغط من أي نوع كان وبما قد يستفيد منه العدو”. المعلق نفسه، وعبر وكالة “تسنيم” الإيرانية كتب في 30 حزيران الماضي قائلاً: “إنّ قبول لبنان الرسمي بالأمر الواقع الإسرائيلي المفروض هو أمر غير مقبول وغير متوقع، وبالتالي يجب على لبنان ومن أجل حماية حقوقه أن يتصرف بكلّ ما هو متاح له من مسالك، ويلج كلّ ما يمكنه ولوجه من أبواب، وتأتي في طليعة تلك الوسائل الديبلوماسية بما فيها اللجوء إلى الأمم المتحدة وهيئاتها وكذلك اللجوء إلى طرف ثالث من الدول التي تدّعي صداقة لبنان وفي طليعتها أميركا. بيد أننا لا نثق بكلّ تلك المخارج. فالتجارب علمتنا أنها عقيمة”.
بين آخر حزيران ومنتصف تشرين الأول قرابة ثلاثة أشهر ونصف الشهر. ما لم يكن مرئياً، هي قناة التفاوض التي كانت تدور بين واشنطن وطهران في إحدى دول الخليج، وفق معلومات ديبلوماسية لـ”النهار”. ومن المؤكد أن من بين ثمار هذه المفاوضات كان الإعلان عن المفاوضات عبر الرئيس بري بحضور ممثل السلطة التنفيذية وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر وقائد الجيش العماد جوزف عون وقائد اليونيفيل ستيفانو دل كول وممثلة المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش نجاة رشدي. وتشير هذه المعلومات إلى أن الضوء الأخضر الذي أتى من قناة التفاوض المشار اليها كان هو العامل الحاسم في تبدل اتجاه الرياح لمصلحة المفاوضات التي انطلق قطارها في الناقورة. وماذا عن النزاعات الداخلية التي دارت في الأيام الماضية في شأن هذه المفاوضات؟ يجيب مسؤول سابق تحدثت اليه “النهار” أن خطوة نقل ملف المفاوضات من الرئيس بري إلى الرئيس عون، كانت مدروسة ومتفقاً عليها داخلياً وخارجياً. حتى إن قفز قصر بعبدا فوق السرايا الحكومي في موضوع تشكيل وفد لبنان إلى المفاوضات يندرج ضمن الاتفاق المسبق الذي منح الرئاسة الأولى “هيبة” كي تظهر على قياس “الحكم القوي” على حساب طرف هو الأقوى فعليا هو “حزب الله” الذي ابتدع مع شريكه في الرئاسة الثانية “بيان الفجر” قبل صياح الديك في صباح المفاوضات. بعد دقائق من انطلاق قطار المفاوضات كتب موقع “العهد” الإخباري الناطق باسم “حزب الله” يقول: “أن هذه الأرض لن تطبّع، ولو بالشكل فقط، ولن ترتضي مذلّة أن يربح الصهيوني بالتفاوض غير المباشر ما عجزت عن تحقيقه ألوية نخبته العسكرية، وكلّ الناطقين المحليين باسمه على اختلاف صفاتهم ومناصبهم ومشاربهم”. بعد “نعم” الإيرانية للمفاوضات، صار من واجب التابعين للمرشد إيجاد المخارج التي تحفظ ماء الوجه، وبالتالي ستكون المرحلة المقبلة حافلة بعبارة “أن هذه الأرض لن تطبّع” أو ما يشبهها!
Ahmad. ayash@annahar. com. lb