16-07-2021 | 00:04 المصدر: النهار


الرئيس المكلف سعد الحريري
لم يكن اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري مفاجئاً في جوهره، إذ كان قد وضعه ضمن مروحة الخيارات المتاحة أمامه. بَيد ان المفاجأة كانت في توقيته بعدما كان يفترض ان يستغرق بعض الوقت قبل ان يذهب الى هذا الخيار. لكن رئيس الجمهورية ساعده على التعجيل في حسم خياره، عاكساً بذلك رغبة لم تكن خافية على اي فريق بعدم التعامل مع الحريري، وهذا لسان حال الاخير الذي قدّم تشكيلة يدرك تماماً ان الــرئــيــس ميشــال عــون لــن يســير بها.
هكذا، سقطت كل المبادرات الداخلية لرئيس مجلس النواب نبيه بري، والفرنسية للرئيس إيمانويل ماكرون، والمصرية امام تشبث عون والى جانبه النائب جبران باسيل والحريري بمواقفهما. الاول الرافض للانكسار امام الحريري بالتراجع عن الحصة المسيحية، والثاني الرافض للخضوع للابتزاز ومنافسته على صلاحيات رئاسة الحكومة، وتقييد يده في حكومة الاختصاصيين التي يرغب في تشكيلها.
باستثناء دعوة الحريري الله لأن يعين البلد، لم تظهر على رادار الرجلين اية اولوية للهواجس الأمنية والمحاذير الاقتصادية والنقدية والمالية التي ستترتب على سقوط التكليف. حتى الضغوط الخارجية لم تفعل فعلها او انها لم تكن على المستوى الكافي لدفع الرجلين الى تقديم التنازلات من اجل تجنب الدخول في المحظور الذي بات حتمياً الآن في ظل السيناريوات الخطيرة التي تنتظر البلاد انطلاقاً من مجموعة اسئلة او استحقاقات لا تزال إجاباتها غير مضمونة.
فبقطع النظر عن مخاطر خروج الحريري من المشهد الحكومي، بما كان يمثله ولا يزال من تقاطع إقليمي دولي حول شخصه (باستثناء السعودية)، فإن الأسلوب الذي خرج به من قصر بعبدا والكلام الذي اطلقه (قبل ان يكشف الحقائق مساء عبر محطة “الجديد”)، يظهر عمق الانقسام الذي تجاوز البُعد الشخصي ليتحول الى مواجهة طائفية بين السنّة وجزء من المسيحيين الذين يمثلهم العماد عون، وهذا الامر لا بد من ان ينعكس تفجيراً للاحتقان في شارع غاضب وجائع. مع اعلان قصر بعبدا عن توجه لتحديد موعد للاستشارات النيابية، يمكن تلمّس خارطة الطريق التي تنتظر البلاد، وهي تتفاوت بين مسلكين: إما الذهاب الى حكومة حسان دياب 2، وإما وبأفضل الاحوال يتم التوافق على شخصية سنية مستقلة تتولى تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين تحظى بالدعم الدولي.
حتى الآن، لا أفق لبديل من الحريري بعدما قالت الطائفة كلمتها. فإذا لم ينجح مسار حكومة من المستقلين، فإن البلاد امام تعويم حكومة دياب، مع صلاحيات للرئيس من خلال المجلس الأعلى للدفاع.
تجربة اجتماعات المجلس السابقة فشلت في وضع القرارات المتخذة حيز التنفيذ، ما يشي بان البلاد دخلت محظور الفوضى على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والنقدية والاجتماعية.
الدولار قفز الى 22 الف ليرة فور اعلان الاعتذار. والسؤال: من سيمسك البلاد امام الاخطار المحدقة بها فيما فشلت السلطة القائمة في ادارة التفليسة؟
طارت الحكومة ولكن المهم ألا يطير البلد بعدما امعن سياسيوه في عزله عن محيطه. طار الحريري ولكن بقي العهد “قوياً” ووحيداً. sabine.oueiss@annahar.com.lb